الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً

عن التطوع حين يغدو ثقافة

مروان المخلافي
الخميس ، ١٧ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
للأسف الشديد أصبحت المجتمعات العربية أو دعونا نقول بعض المجتمعات العربية حتى نكون منصفين تعيش حالة من التخلف المقيت الذي أصبح مزعجا أكثر من أي وقت مضى عبر كثير من الشواهد والحالات التي أصبحت ترى في كثير من الأقطار العربية ، حتى أصبح حالنا كاليهودي الفقير لاخمر الدنيا ولا خمر الآخرة ضيعنا دنيانا وآخرتنا ، خطواتنا في محلها تراوح السير هذا إذا لم يكن سيرنا للخلف و هو الحاصل للأسف الشديد ، لقد تقدم الناس في كثير من الدول ، فهذه اليابان التي أرجعتها أمريكا مائة عام للوراء بعد القنبلة النووية هاهي اليوم تعود مثلما كانت وأفضل بمئات السنين وأصبح الين الياباني ينافي اليورو الأوربي والدولار الأمريكي ، نهضة ما كان لها أن تتم لولا الشعور بالمسئولية التي استشعرها كل ياباني تجاه بلده على أن المسئولية نقصد بها في هذا السياق هو انخراط كثير من اليابانيين في العمل التطوعي لعمارة بلدهم واقتناعهم بإمكانية جعله عبر ثقافة التطوع بلدا يشار له بالبنان من خلال جعله في صدارة البلدان المتقدمة وكان لليابانيين ما أرادوا ، حين تولدت لديهم وعبر فهم لهذه الحقيقة إرادات تناطح الجبال
يحكي لنا التاريخ الحديث شاهدا على ذلك حتى لا يرمي كل واحد منا باللائمة على الدولة بحجة انها صاحبت الشأن لوحدها وهو كلام غير صحيح تثبته الأيام عبر كثير من الوقائع منها هذه الحادثة التي تحكي أنه وفي عام 1989 ضرب زلزال مدمر أرمينيا ، وكان من أقسى زلازل القرن العشرين ، وأودى بحياة أكثر من خمسة و عشرين ألف شخص خلال عدة دقائق ولقد شلت المنطقة التي ضربها تماماً ، وتحولت إلى خرائب متراكمة ، وعلى طرف تلك المنطقة كان يسكن فلاح مع زوجته، تخلخل منزله ولكنه لم يسقط، وبعد أن اطمأن على زوجته تركها بالمنزل وانطلق راكضاً نحو المدرسة الابتدائية التي يدرس فيها ابنه والواقعة في وسط البلدة المنكوبة
وعندما وصل إذا به يشاهد مبنى المدرسة وقد تحول إلى حطام ، لحظتها وقف مذهولاً واجماً ، لكن وبعد أن تلقى الصدمة الأولى
ما هي إلا لحظة أخرى وتذكر جملته التي كان يرددها دائماً لابنه ويقول له فيها مهما كان( سأكون دائماً هناك إلى جانبك )

و بدأت الدموع تنهمر على وجنتيه ، وما هي إلا لحظة ثالثة إلا وهو يستنهض قوة إرادته ، و يمسح الدموع بيديه ويركز تفكيره ونظره نحو كومة الأنقاض ليحدد موقع الفصل الدراسي لابنه وإذا به يتذكر أن الفصل كان يقع في الركن الخلفي ناحية اليمين من المبنى، و لم تمر غير لحظات إلا وهو ينطلق إلى هناك ويجثو على ركبتيه ويبدأ بالحفر وسط يأس وذهول الآباء والناس العاجزين.

حاول أبوان أن يجراه بعيداً قائلين له: لقد فات الأوان، لقد ماتوا ، فما كان منه إلا أن يقول لهما :
هل ستساعدانني؟! واستمر يحفر ويزيل الأحجار حجراً وراء حجر ، ثم أتاه رجل إطفاء يريده أن يتوقف لأنه بفعله هذا قد يتسبب بإشعال حريق، فرفع رأسه قائلاً : هل ستساعدني؟!واستمر في محاولاته، وأتاه رجال الشرطة يعتقدون أنه قد جن
وقالوا له : إنك بحفرك هذا قد تسبب خطراً وهدماً أكثر ، فصرخ بالجميع قائلا :إما أن تساعدوني أو اتركوني
وفعلا تركوه، ويقال أنه استمر يحفر ويزيح الأحجار بدون كلل أو ملل بيديه النازفتين لمدة (37 ساعة)
وبعد أن أزاح حجراً كبيراً بانت له فجوة يستطيع أن يدخل منها ، فصاح ينادي: (ارماند) فأتاه صوت يقول : أنا هنا يا أبي لقد قلت لزملائي، لا تخافوا فأبي سوف يأتي لينقذني وينقذكم لأنه وعدني أنه مهما كان سوف يكون إلى جانبي.
مات من التلاميذ 14، وخرج 33 كان آخر من خرج منهم (ارماند) ولو أن إنقاذهم تأخر عدة ساعات أخرى لماتوا جميعا
والذي ساعدهم على المكوث أن المبنى عندما انهار كان على شكل المثلث.

نقل الوالد بعدها للمستشفى، وخرج بعد عدة أسابيع، والوالد اليوم متقاعد عن العمل يعيش مع زوجته وابنه المهندس الذي أصبح هو الآن الذي يقول لوالده : مهما كان سأكون دائماً إلى جانبك...!

هل لنا بمثل هذه الثقافة التي يعيش اصحابها في ظلال من المسئولية التي تملي على كل واحد منهم أن يكون صاحب إرادة لن تتوفر لديه ما لم يكن متطوعا سباقا في مشاريع النهوض الكفيلة بتقدم المجتمعات ، اقول ذلك نظرا لأننا ما زلنا نعيش في ظلال التدني في فاعلية التطوع في معظم المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج، يأتي في وقت هي أشد ما تكون حاجة إلى تنشيط كافة فاعليات العمل الأهلي، وفي القلب منها فاعليات العمل التطوعي الموجود في أمتنا وفي ذاكرتها وذاتها لامتلاكها في مخزونها الثقافي والقيمي من محفزات ودوافع لتنشيط العمل التطوعي وتطويره ما سيبهر العالم لو أخذنا به بمسئولية .