الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٥٣ مساءً

عفوا باولو كويلو .. ثوارنا لا يتعلمون !

اسكندر شاهر
السبت ، ٢٩ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
في مقدمة الكاتب البرازيلي المعروف " باولو كويلو " لسلسلة رواياته الصادرة باللغة العربية يتحدث عن دروس في الحياة استقاها من علم التصوف الإسلامي أو من أحد كبار المتصوفة والذي اطلق عليه إسم “حسن” ، وبعد أن أورد كويلو ثلاث قصص منسوبة للعالم المتصوف يبلغنا بأن أحد أهم الطرق التقليدية التي اعتمدها الإنسان لنقل معرفة جيله كانت القصص والروايات ، ثم يختم كويلو بالتعبير عن فضل ما تعلمه من الثقافة العربية ، وأنه بإصداراته الروائية بالعربية يرد المكرمة بمثلها ..

عفواً "كويلو" ، فأنت أمام شعوب لا تقرأ تراثها فكيف ستقرأ مكرمتك !!، ولعل الطرق التقليدية لنقل معارف الأجيال قد انحسرت هي الأخرى ولم يعد من مكان أوسع من فضاء الشائعات ، وتكرار التجارب الخاطئة ، والنقل المحرف لا الاحترافي ..
التجربة والمعرفة مادتان متداخلتان تغذيان بعضهما إلا عندنا فإنهما تفرغان بعضهما من المضمون لتصبحا عبئاً على المجتمع .

إنه سؤال جوهري .. من ذا الذي يشعل نار الحكمة ، وإلى أين تذهب ؟ هكذا يتساءل كويلو على لسان الصوفي ، ويقول تعليقاً على قصة ذلك الصبي الذي أطفأ الشمعة وتساءل عن أين ذهبت النار التي كانت هنا : الإنسان كتلك الشمعة يحمل النار المقدسة للحظات معينة ولكنه لا يعرف إطلاقاً أين أشعلت ؟! ، ويصل الصوفي إلى نتيجة مفادها : أنه لابد أن يُسر بمشاعره وأفكاره لكل ما يحيط به .. النار سوف تتوهج عندما أحتاجها .. وهذا كنه أن تكون تلميذ الحياة ..

هذه النار ، ما تجعل بعضنا لا يكل ولا يمل من الحديث عن ضروة توافر ثقافة ثورية وصولاً إلى ثورة ثقافية ، ولن يتملكني الشعور باليأس والقنوط حتى لو تم تكرار الأخطاء في متوالية هندسية بين أقطاب قوى الثورة والتغيير في اليمن ممن لا يريدون أن يتغيروا هم أولاً ليحملوا راية التغيير أو ينشدونه أو يطالبون به غيرهم ..

الارتجال سيد الموقف سواءا على مستوى الفعل أم التصريح ، والانفعال الداخلي والتفاعل الخارجي بدون فهم ولا دراية يكاد يكون ضابط إيقاع هذا العبث الثوري والغي السلطوي ..

في مقالات سابقة تحدثت عن مجموعة اختلالات جوهرية أعاقت المسيرة الثورية في بلادنا ويتوجب لمن يريد إنقاذ الثورة أن يشتغل على تجاوزها ، وأن يتساوق المسار الثوري مع المسار السياسي لتكون البوصلة واضحة والموقف محدداً إزاء الاستحقاقات المرسومة وفق المبادرة الخليجية والتي تمضي قدماً دون أن تتأثر بمختلف العصي التي توضع أمام دواليبها ذلك لأن العصي ليست موحدة بل تأتي متفرقة ومتقطعة وبالتالي لاترقى إلى مستوى الإطاحة بالمبادرة الخليجية التي لم تجد حتى اللحظة مبادرة "يمنية" مضادة تصطف حولها قوى التغيير الحقيقية أو قوى المقاومة باعتبار أن مفهوم المعارضة سقط في اليمن وسنحتاج إلى وقت طويل لاستعادته ..

علينا أن نمارس النقد الذاتي ابتداءا لنتمكن من ممارسة النقد إيجاباً للتجربة عموماً ولأداء الآخر على نحو خاص ، ولكن شيئاً من هذا لم يتخلق بعد لاسيما أن الوصول إلى معنى قول الإمام علي بن أبي طالب (ع) : ( من شاور الناس شاركهم عقولهم ) لم يصل مثلما وصلت دورس المتصوف الإسلامي للبرازيلي كويلو ..

من الواضح أن العديد من أقطاب الثورة ودعاة التغيير لا يدركون مفهوم الشراكة التي يطالبون بها الآخر ، ولئن كانوا يدركونها لقاموا بتطبيقها بدلاً من حالة الإقصاء والهروب من الشركاء خشية التجاوز وبغية التموضع في قيادة مكون أو تكتل أو كيان هزيل لايستطيع مقاومة السلطة .

وفي مقال الأسبوع الفائت تحدثتُ عن "مسيرة الحياة بلاموت" ، وأوردتُ ما يشبه التمني بعدم استنساخها مشدداً على أهمية جعلها محطة رمزية وتوعوية للاستفادة من دروسها لاسيما في ظل اختلال موازين القوى وعدم توافر ثقافة ثورية أو دون إحداث إي خلل في معادل القوة والضعف ..

ولكن مسيرة الحياة استنسخت إلى حد كبير و لم تتغير إلا في بعض التفاصيل من قبيل أن تتحول المعركة من دار سلم إلى قرب دار الرئاسة وتتحول المطالب في ظل حصار محموم ضُرب على الثوار إلى "ماء ورغيف وبطانية .. "

هذا واقع طبيعي جداً لاستهلاك الأفكار والتجارب الذي يبدو حاكماً ، وهو أمر مفيد للسلطة لأنها باتت تمتلك خبرة للتعامل مع مواقف شبابية وثورية لا تتغير ولا تتطور ، وتستنسخ تجاربها ومرجعياتها ولا تتحدث عن سقوط النظام بل عن مجاراته ومحاباته وهي عملية كان عليها أن تتوقف في وقت مبكر وقبل أن يكون هادي رئيساً وحكومة الوفاق سلطة باسم الثورة والتغيير ..

إيماءة
في وقت لاحق أخبروني ماذا حققت مسيرة الحياة بنسختها الثانية ، والتي انطلقت من ( عاصمة الثورة ) إلى (عاصمتهم من الثورة ).. لأكرر القول مجدداً : عفواً كويلو .. ثوارنا لا يتعلمون ..!!!