الاثنين ، ٢٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠١ صباحاً

وهم هيكلة الجيش!

عبدالقوي العديني
الأحد ، ١٦ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠١:٤٠ صباحاً
حتى وان دقت أجراس الهيكلة؛ ستظل المهمة عسيرة والمشوار بعيد جدا لإحلال هيكلة حقيقية للجيش .. إذ لن يكون بمقدورها ان تحل مشكلة السيطرة والنفوذ , او ازدواجية المهام والقرارات , ولن تحد من عبث مراكز القوى وهيمنتها على الجيش!

وان صدقت توقعاتي فان ما يجري الآن لن يتعدى اكثر من تكييف محدود لهيكلة الجيش , ولعل الاخبار التي تحتمل تعيين ثلاثة نواب لوزير الدفاع تندرج تحت هذا التوقع , وسيبدو واهما من يتفاءل بهيكلة السلطات والحكومات السابقة تتهرب منها في كل الظروف والمراحل منذ اكثر من نصف قرن كي يستمر مثل هذا الوضع الذي يبدو أننا تعايشنا معه ومازلنا نعيشه اليوم ، وسط استغراق في التفرج، وفراغ سياسي ، وضعف في أداء القوى الوطنية والجماهير التي اكتفت بمتابعة الأحداث بدلا من صناعتها.

وبكل تأكيد ستحارَب الهيكلة من قبل النظام السابق، بالوسائل الممكنة وغير الممكنة , لان مجرد إعادة تصحيح أنظمة إدارة الجيش ومكوناته وفقا لنظام دقيق , وبأسس ولوائح وقوانين جادة وصادقة مع التغيير ؛ سيكون من شانها ان تمنع أي تعديات أفقية بين الأجهزة والمنظمات ، او رأسية ، وستحمي كل السلطات الدستورية من الاختراق والتلاعب.

واعتقد ان أي تكييف او توزيع او دمج او الغاء في مستويات محدودة , سيمثل خطوة ايجابية وانجازا مؤقتا , لأن التحولات الآمنة والسليمة في مثل هذه الظروف من الافضل لها ان تشهد خطوات متدرجة , اما ان فعلوا وصدقوا وهيكلوا الجيش فسنقول احسنتم وأجدتم , وهنيئا للوطن انجاز المستحيل .

ومادامت المشاريع الكبيرة تـُقـزّم ؛ وتتحول من مشاريع وطن ورؤى مستقبلية الى تسويات وحصص ومساحات وصلاحيات على قاعدة العُرف الذي اضر باليمن , وجعل بنيتها وتشريعاتها وطموحاتها هشة وقابلة للتآكل والنزيف والعودة الى مربع الخطوة الاولى،فإن المهمة شاقة.

ان توجيه قائد فرقة او مسئول عسكري او حتى رئيس وزراء للتوظيف المباشر في وزارة من الوزارات ، إجراء لا يبعث على الاطمئنان .. مثله مثل المنح التعليمية ، فتوجيه قائد عسكري أو وزير باعتماد منحة خارجية لطالب هزيل المُعدَّل ، مؤشر سالب وقلق !.. وإنزال إعلانات التوظيف وفتح أبواب المنافسة والأولوية هو المعيار والأساس الحقيقي للعدل وتكافؤ الفرص امام الجميع.

اتذكر ذات يوم أن توجيهاً بالتوظيف صدر من الرئيس السابق الى احدى الوزارات, وجدته على مكتب موظف صغير في الموارد البشرية , جعلني أزدري تصرفاً كهذا من رئيس دولة , يتدخل في مشاريع صغيرة لا يجب عليه او على معاونيه ان ينزلوه إلى مستواها.

ذلك ما نرفضه ولا نريد ان يحدث في عهد عبد ربه منصور هادي , فنحن بحاجة الى قانون ، الى لوائح وأنظمة تشرع وتنظم الحياة , إلى مسئولين يحترمون أنفسهم ، وأي تبرير للخطأ لن يقبل ولو كان بدواعي التعاطف مع مجموعةٍ ما .. لان الملايين بحاجة لترتيب أولوياتهم ، والمستقبل القادم للشباب يجب ان يكون قويا محصناً وآمناً , حتى تتفجر المواهب والطاقات, وتتحمل مسؤوليتها بجدارة لبناء سمعة اليمن وصناعة مستقبلٍ تنبني كل مجالاته وتنميته على مداميك قوية وأسس سليمة ، وآمنة من المخاطر.

ولعل من سخرية زمنٍ أجدبَ حدَّ الخجل ؛ أن تبقى الأوضاع كما كانت عليه قبل ثورة التغيير ، بعد أن سكب أفضلُ وأنقى الشبابِ دماءَهم عل ساحات التغيير براً ووفاءً وتقديساً لكرامة هذا الشعب , وان تظل نفس السياسات السابقة تدير الأزمات , وهي ذاتها تمسك كل الملفات الشائكة لتحركها بنفس عقلية المساومة والرشوة ؛ بيعا وشراء .

ففي المعترك المتواصل ماتزال المخاطر المفتعلة والمتوالدة تمارس وفقا لسياسة الماضي , لتجعل اليمن في مواجهة اليمن ؛ والشعب في مواجهة الشعب ؛ والجنوب في مواجهة الشمال ؛ والعاصمة في مواجهة صعده ؛ وتعز في مواجهة تعز ؛ والخلخلة في مواجهة الهيكلة ؛ ويستمر تفتيت الأفراد والمجاميع القبلية , وتعليق النظام .. كل ذلك لقتل أحلام الناس من جديد ؛ في زمنٍ نحسب فيه أن أسباب المراوغة ؛ وتعمُّد أن تظل الدولة ضعيفة منهوبة؛ قد ولت إلى غير رجعة!

نفس الأدوات القديمة ؛ بكل تفاصيلها التي أدارت الدولة ؛ واستغلت كل الموارد في تسوية النزاعات ؛ وتقاسمت المصالح؛ ماتزال تتصدر المشهد ، وتتقاسم الفساد والانتصارات والاتهامات باسترخاء، حتى العناوين تتساوى في الصحف وتملأ الحياة نزقاً!

ونفسها..نفسها .. تلك الجنرالات العسكرية ماتزال تقوم بمهام وزير الخدمة , وتتحدى رئيس حكومة , ولا تعبأ او تفكر بانعكاسات ومخاطر النشر والإفصاح في وسائل الإعلام عن الأعمال المخلة بالنظام .. بل وتتجاوز مربعاتها العسكرية إلى تفاصيل الحياة ، إلى مربعات ومهام يفترض أنها مستقلة .. لكن بحكم الوضع السائد والإرث المتراكم في اليمن فان الفساد الإداري يجعل الطرف القوي مطلق المفاسد والصلاحيات والمهام!

كل ذلك من القضايا التي نتطلع الى مراعاتها , والأمل كبير في حكومة الوفاق برئاسة الاستاذ باسندوة , ومبشر بالخير وبحزمة متوقعة من القرارات الجريئة للرئيس هادي لتصنع تحولا جديد.

نعم .. استطاعت اليمن ان تنتزع إعجاب العالم , بحكمتها في تدارك الخراب الذي شهدته في الماضي .. بحكمة الرئيس هادي الذي نجح بخبرته ودرايته بتعقيدات كل مكونات المجتمع من تحقيق الاستقرار بهدوء , وتجاوز الأزمة بجدارة ..

ومع كل ذلك , فان أخبار الحوادث اليومية التي تستهدف منشآت البترول والكهرباء , وتقدم اليمن على مستوى الدول العربية الى المركز الخامس في تقارير الشفافية العالمية ؛ ضمن الدول الاكثر فسادا ؛ تفرض انطباعا مظلما عن اليمن ، وتجعل عجلة الحياة بنظر رؤوس الأموال الأجنبية والشركات المهتمة بمتابعة بيئة الاعمال ؛ تبدو كأنها تعود الى الماضي بخطوات تركل منطق الاشياء , وكل حوار متطلع الى غد واعد وأجمل .

تلك هي الصورة القاتمة .. وفيها تدور عجلات الجشع , وتدهس دوما صوت السلام .