الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٠٧ مساءً

أرض الجنتين .. تستورد الصلصة !!

جلال الشيباني
الخميس ، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
في اتصال لمواضيع سابقة فيما يتعلق بالأطفال وفيما إذا كان من المهم تنشئتهم بطريقة تجعل منهم رياديين وأصحاب أعمال تجارية تساهم في تطوير المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وقبل أن أتحدث عن علاقة عنوان هذا المقال بما يحتويه المقال لنتحدث قليلاً في عمق ريادة الأعمال وكيف نربطها بثقافة المجتمع اليمني وكيف نستشف المستقبل من ربط كل هذه العوامل مع بعضها البعض ببساطة وبدون أي تعقيدات.

من المعلوم أن الأفكار المبتكرة والريادية تأتي إما لحل مشكلة ما أو سد حاجة وطلب السوق أو حتى لمواكبة توجه مجتمعي كالموضة وغيرها وعليه تخلق الأعمال التجارية الريادية والتي تعمل على رفع مستوى المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وحتى ثقافياً ومن المهم أن نوضح أن المقصود هنا بالأعمال التجارية والريادية ليست الأعمال القائمة على استيراد السلع الاستهلاكية وحسب ولكن المقصود منها الأعمال التي تقوم على تصنيع وإنتاج السلع محلياً والتي إن دعت الحاجة فإنها تعمل على استيراد أدوات الإنتاج وليس السلع الجاهزة, وهذا بالتحديد ما جعلني أتوقف قليلاً للتفكير, فتعليم الأطفال مبادىء الريادة المأمول منه خلق جيل من الرياديين أصحاب الطموح الراغبين في إنشاء أعمالهم التجارية الخاصة, وقبل أن يذهب البعض في القول أن اليمن بحاجة للاستثمارات الكبيرة وليس للأعمال الصغيرة, فالولايات المتحدة الأمريكية في تقاريرها الاقتصادية تقول بأن الأعمال التجارية الصغيرة والريادية تخلق ما يساوي 70% من فرص العمل داخل البلاد, وهنا يحين الوقت لكي أقول لماذا وضعت ذلك العنوان لهذه المقالة.

لنتخيل أننا استطعنا أن نحفز براعم اليوم ليكونوا مصادر للأعمال الريادية والمبتكرة في المستقبل القريب, فماذا نفعل في مشكلة المجتمع الذي لا يرغب حتى في الاقتراب من أي شيء كتب عليه (صنع في اليمن)؟

استوقفتني ذات يوم عبارة في أحد البرامج الوثائقية عن مدينة أوروبية – تقريبا في بريطانيا – لا يفضل سكانها سوى المنتجات المحلية ويحبون أن يشجعوا أبناء مدينتهم من أصحاب المحال التجارية ليحافظوا على أعمالهم بل وليطوروها أيضاً, وبقيت أتذكر هذه المعلومة في كل مرة أدخل فيها السوبر ماركت لأشتري سلعاً مستوردة كان بالإمكان تصنيعها محلياً والذي يثير الحزن حقاً تلك المنتجات القائمة على المواد الغذائية وخصوصاً الزراعية فكيف أقتنع وانا في بلد من المفروض أنه بلد زراعي بأن علبة الصلصة الموجودة أمامي كتب عليها (صنع في الإمارات), نعم الإمارات تلك الصحراء تزودنا بالصلصة !! ونحن سنوياً وفي فصل الصيف يصل سعر السلة الطماطم فيه إلى 500 ريال وربما أقل وبسبب سوء التصريف والتوزيع وعدم وجود أدوات التصنيع الكافية والوعي بقيمة واهمية الصناعات الإنتاجية يتلف معظم ذلك المحصول دون الاستفادة منه, وقس على ذلك فمن عيدان الثقاب والشمع المستورد من الصين إلى الشامبو والصابون المستورد من السعودية !! أما المضحك المبكي مؤخراً الجنبية اليمنية رمز التراث اليمني التي باتت تصنع وتستورد من الصين, أي مصيبة هذه؟, فبدلاً من تطوير هذه الصناعة محلياً وفتح مجالات عمل ووظائف للشباب اليمني يقوم أحد التجار معدومي الضمير بأخذ قطعة واحدة للصين والعودة بحاويات مليئة بالقطع المزيفة والمتطابقة.

من المؤسف أننا جميعاً نساهم في كل هذه السلوكيات المذكورة سلفاً, فميلنا الدائم نحو السلع المستوردة ظناً منا أنها أكثر جودة يؤدي إلى انتهاء صناعات محلية كثيرة في المقابل, ويؤسفني القول أن الكثير من الصناعات المحلية فعلاً تفتقر لأبسط معايير الجودة لكن ذلك من السهل حله فاليابان مثلاً كانت في يوم من الأيام مضرب الأمثال في الصناعات الرديئة ولكن بتبني مبادىء الجودة فقط أصبحت مثلاً يحتذى به في الإتقان, ولكن تبقى لدينا المشكلة الثقافية المستعصية وهي ثقافة الإيمان بكل ما هو مستورد, وكذلك ثقافة التخاذل والتكاسل عن العمل والإبداع والإنتاج والاكتفاء بشراء حاجياتنا الاستهلاكية من الخارج فمثال زراعة الطماطم هو غيض من فيض فكيف نزرع ولا نفكر في الاستفادة مما زرعناه في جوانب التصنيع وخلق الأعمال المختلفة, ولا ننسى أيضاً أن نذكر القلة المتسلطة صاحبة المصالح الضيقة التي لا تكتفي بنهب هذا الوطن ولكنها تحبط كل محاولة للنهوض بالمجتمع وليس ذلك وحسب بل والاستثمار بكل تلك الأموال المنهوبة في دول الجوار وأوروبا وأمريكا ,فإلى متى تظل أرض الجنتين وشعبها يزرعون الطماطم ويستوردون الصلصة.