الخميس ، ٠٢ مايو ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٥٤ صباحاً

البيت السلفي .. سيف بيد عجوز

خليل بن عبدالله الباشا
الأحد ، ١١ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٧:٤٠ مساءً
السلفية هي منهج إسلامي يدعو إلى فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذ الأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة ويبتعد عن كل المدخلات الغريبة عن روح الإسلام وتعاليمه، والتمسك بما نقل عن السلف. وهي تمثل في إحدى جوانبها إحدى التيارات الإسلامية العقائدية في مقابلة الفرق الإسلامية الأخرى.

وفي جانبها الآخر المعاصر تمثل مدرسة من المدارس الفكرية الحركية السنية التي تستهدف إصلاح أنظمة الحكم والمجتمع والحياة عمومًا إلى ما يتوافق مع النظام الشرعي الإسلامي بحسب ما يرونه.

برزت بمصطلحها هذا على يد شيخ الإسلام ابن تيمية في القرن الثامن الهجري وقام الإمام محمد بن عبد الوهاب بإحياء هذا المصطلح من جديد في منطقة نجد في القرن الثاني عشر الهجري والتي كانت الحركة الوهابية التي أسسها من أبرز ممثلي هذه المدرسة في العصر الحديث.

هذا تعريف مختصر للسلفية وهي ليست محصورة بجماعة أو فئة من الناس بل أن كل من سار على هذا المنهج فهو سلفي سواء أعلن ذلك أو أخفاه, فأتباع السنة ومنهاج سلف الأمة هو أصل المنهج السلفي.

ولمن يراجع التأريخ فقد أظطهد أعلام السلفية منذ عقود خلت بدئاً بالإمام أحمد بن حنبل ومروراً بشيخ الإسلام وليس انتهاءً بعلماء عصرنا, ولكن ذلك لم يكن لكل علماء السلفية فقد كان منهم أتباع منهج ( وإن جلد ظهرك وأخذ مالك ) .

في العصر الحديث تغير الحال كثيراً خصوصاً عقب أحداث الربيع العربي التي عملت صحوة عربية وإسلامية غاية في الروعة والتميز, فعمل السلفيون على مواكبة الربيع العربي وبدأو ينحنون المنحى السياسي إلى جانب منحاهم السابق الدعوي والإنساني.

بدأ ذلك من مصر الثورة حيث أنشئت أحزاب سياسية سلفية عديدة وبدأت ممارسة العمل السياسي وحصدوا مقاعد في مجلس الشعب وشاركوا بانتخابات الرئيس ووو.

تبع ذلك دفاع السلفيين في تونس وليبيا عن الشريعة الإسلامية ونبذهم لكل ما يخالفها وإن كان ذلك نحى منحى العنف إلا أنها تعد مشاركة في صنع القرار, ولكن ذلك ألصق ببعض الحركات السلفية ما يطلق عليها من الإرهاب والعنف والتطرف.

أما في اليمن فقد كانت الصحوة السلفية مبكرة فمع بداية أحداث الثورة المباركة نزل السلفيون إلى الساحات ورفعوا شعارات الحرية والانعتاق من الظلم وواكبوا معظم فعاليات الثورة بل وساهموا فيها بشكل فعال ومثمر.

ولكن لعدم وجود كيان سياسي سلفي لم يتمكنوا من قيادة الثورة سياسياً كما صنعت أحزاب المعارضة فلم تسجل أي نقطة للسلفيين بينما احتفظت أحزاب المعارضة بالنقاط الإيجابية والسلبية فتمكنت المعارضة من السير بالثورة خطوات للإمام مع الحفاظ على الدم اليمني هذه من الجهة الإيجابية بينما تمكنت من إعطاء الحصانة للقاتل وتأخير عجلة التغيير قليلاً بحسب الرؤية السلبية.

أدرك السلفيون يقيناً أنه لابد من خوض المعترك السياسي وفق مبدأ الديمقراطية والأخذ بقاعدة (أخف الضررين) ولكن ذلك لم يكن سهلاً ففي الوقت الذي قوبل هذا الأمر بالترحيب من الأحزاب السياسية المعارضة تم تقبله من بعض أعلام السلفية بالويل والثبور ومن البعض الأخر بالتخوين والتهجم.

وعادت على السطح مجدداً مشكلة التفرقة في البيت السلفي الواحد, فجميع السلفيين يؤكدون على أن منهجهم واحد ومبدأهم ثابت إلا أنه عند الشدائد تجد المهاترات على أصولها, فالحكماويين لا يتقبلون الرئيس الأحساني و العكس أحياناً.

وعندما نتكلم عن السلفيين في اليمن فلا نتكلم عن التيار المتشدد ( الجامية ) بل نتكلم عن التيار المتنور المعتدل والذي يجمع الدين والدنيا والكرسي والمنبر والعلم والعمل.
من هذه المقدمة أسرد هنا بعض النقاط التي لا بد من تداركها لإصلاح البيت السلفي:
1. العمل بمبدأ الشورى أساس رسخه الحبيب المصطفى وعمل به الخليفة الراشد أبو بكر الصديق (جعلنا الله من رفقائهم في الجنة) وقد يكون هذا المبدأ غائب أو مغيب لدى البيت السلفي سواء في الجماعات أو الحركات أو الاحزاب.

فنعرف جميعاً أن فلان هو رئيس جمعية كذا من عهد الوحدة أو بعدها بقليل ولو مات فلان فإن البديل هو فلان, مما زرع اليأس في قلوب شباب السلفية من أن يتولوا مناصب القيادة.

بل إن قيادة السلفية لم يزرعوا في قلوب ناشئتهم وطلابهم حرية الرأي والتعبير فقاعدة (لا أريكم إلا ما أرى) تعمل في معظم مجالات البيت السلفي مما رسخ لدى الناشئة من السلفيين قاعدة هولاكو الجعاشن ( البيت حق الشيخ والبقرة حق الشيخ والجربة حق الشيخ وما تتزوج البنت إلا بإذن الشيخ) مع اختلاف الحال طبعاً.

فإعطاء الثقة للقاعدة الشعبية السلفية أمر في غاية الأهمية ويتحقق ذلك من خلال:

أ‌- فتح مجال التنافس الشريف على المناصب القيادية وفق لائحة وقواعد ثابتة ولا يوجد أحد مخلد في منصبه فالأرض تدور والكراسي تدور.

ب‌- إشراك جميع القاعدة الشعبية السلفية من مشايخ وأساتذة وطلاب ومحبين ومناصرين في صنع القرار داخل البيت السلفي.

ت‌- فتح مجال حرية الرأي والتعبير عن المطالب والحقوق.

ث‌- عدم التفرد بصنع القرار خصوصاً القرارات المصيرية والهامة.

ج‌- تفعيل دور الشباب والاهتمام بهم وإعطائهم الثقة وتنمية مواهبهم.

ح‌- تفعيل دور المرأة السلفية وعدم إهمالها.

2. التحرر من براثن العبودية للحاكم وعدم التشكيك بالاخرين أو تخوينهم وتكفيرهم بناء على وجهات نظر أو مبادئ سابقة عفى عليها الزمن, وعدم إدخال الفتوى كشريك مهم في الحوار والمناقشة والعمل السياسي أو الدعوي.

فما نزال نسمع حتى اليوم من بعض أعلام السلفية من يقدس المحروق علي صالح أو بعض رموز النظام البائد ويدعوا لهم ويناصرهم ويحذر من الثورة وتبعاتها, قد كانت أصوات هؤلاء مشوهة أثناء الثورة ولكنها الآن أشد تشويهاً وأبشع مسمعاً.

والبعض من أعلام السلفية ما يزال يحذر من الحزب الفلاني أو الجماعة الفلانية ولم يتعلم من الثورة ومن العمل السياسي أن البلد مجالها مفتوح للجميع وكلٌ يعرض بضاعته والفائز من يختار الصائب ويعمل به ولن يفلح إلا الصادقون.

3. قول كلمة الحق في وقتها وعدم التأخير بدعوى الحكمة والعقلانية, فالدين وقواعده ليس فيها مجال للتأخير والإيضاح ولا لكتم الحقائق, والحلال بين والحرام بين وما أشتبه العلماء فيه فاللقاء والحوار والمناقشة يحل الإشكال.

لكن أن تأتي بيانات هيئة علماء اليمن دائماً بعد مضي زمن على الأحداث وتأخرها عن وقت الحاجة وجعلها حبراً على ورق لا تهش ولا تنش فيه إسقاط لهيبة العلماء ورجال العقيدة, وما صدر بالإجماع فلا مجال لأحد للتشكيك فيه ما لم يخالط ذلك دعوى من فصيل أخر من العلماء ببطلان ما أجمعت عليه الهيئة.

فتوحيد الكلمة وجمع العلماء والمفتين في قالب واحد وإصدار فتوى وبيان موحد حول حادثة أو قضية ما يضفي القوة والهيبة والوقار للعلماء ورجال العقيدة ولنا في قول الشاعر عبرة ومثل:

تأبى العصي إذا اجتمعن تكسرن ... وإذا افترقن تكسرت أحادا
4. احترام التخصصات: فنجد أن الشيخ الفلاني يعمل رئيساً لجمعية كذا ومركز كذا ومنتدى كذا ومؤسسة كذا فيجمع أعمال إلى رصيده ليس له منها إلا الاسم بينما البطالة تضرب أطنابها في الجمهور السلفي.

لو أحترم هذا التخصصات لما ظل على رأس عمل مباشر ولكان مشرفاً أو موجهاً فقط فالإدارة تحتاج مدير وليس شيخ علم أو طالب علم ( وقد يجمع بينهما) والمحاسبة تحتاج محاسب والإعلام تحتاج إعلامي وووو.

كل مهيأ لما خلق له, فالتوزيع والتنويع في المهام على أصحاب التخصصات يصنع الثقة في أبناء البيت السلفي وينمي العمل ويزيد في أرزاق العباد.

كما أن الحزب السياسي يجب أن تكون قيادته سياسية ولها مرجعية شرعية واستمرارية العمل العابث وكأن الحزب معهد أو جمعية لا يصب إطلاقاً في مصلحة الحزب أو سبيل نجاحه.

كما أن على رئيس الجماعة أن يساعد الشباب على اختيار التخصصات التي الجماعة بحاجة لها فمثلاً كلية الإعلام أجزم أن شباب السلفية لم يجرؤ أحد على دخولها وكذلك العلوم السياسية وما شابهها وذلك للتشويه الذي سببه بعض أعلام السلفية لعلوم هذه الكليات.

5. تقديس المنهج والمبدى وليس الشيخ والشخص, فالمبادئ باقية والأشخاص زائلون فتوعية أبناء الحراك السلفي على هذه القاعدة أمر في غاية الأهمية لبناء جماعة مؤسسية لا تنتهي بانتهاء فرد ولا تزول بزوال شخص.

فمحمد صلى الله عليه وسلم أسس لذلك ودعى ربنا سبحانه له قال تعالى(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ )

6. تقديم التنازلات الصغرى من أجل المصلحة الكبرى, فالخلاف القديم بين الجماعات السلفية يجب أن تطوى صفحته وأن توحد الكلمة ويجمع الشتات من أجل التهيئة للقيادة الحقيقية لليمن الجديد إذا كان الهدف هو قيادة الأمة, أما إذا كان الهدف هو المشاركة فأن تكون مشاركاً بالأغلبية خيرٌ من أن تكون تابعٌ لها.

هذا ما كتبته عن حب لهذا المنهج وأمل في أن يعيد أبناؤه ترتيب أركانه لعله للثريا يسمو ولطموح الجيل القادم يرتقي.