الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠٢ مساءً

الإختناق السياسي في اليمن

زكرياء بوخزة
السبت ، ٠٣ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
كنت ومازلت موقنا أن التوتر السياسي في أي رقعة أرضية محله دائما إرادة شعبية ذات مسارين إما عقلاني مخطط له بعناية بأهداف قريبة وبعيدة المدى أو اندفاعي غير مدروس مجهول المصدر تحركه أطياف لا تمثل إرادة الشعب بصفة مباشرة ، و ما تشهده الساحة العربية على مستوى كل الأصعدة السياسية و الاجتماعية وغيرها لأمر مذهل يجعلنا نرضخ لمنطق هو أن مفهوم الثورة لا يكون دائما بالمعنى الايجابي كما انه لا يكون دائما نبض من قلب المجتمع ، بل يحمل العديد من المنابع و التأويلات الخفية منها والظاهرية .

اليمن الذي يعد واحدا من نماذج الدول التي عرفت حراكا سياسيا و اجتماعيا ، شهد مراحل متصاعدة ومتواترة جدا ، اختلفت وتضاربت الرؤى إذا ما كان هذا الحراك ثورة شعبية ضد النظام أم حركة مثورة تسعى لتغيير واقع راهن بغض النظر عن طبيعة هذا التغيير وشكله وأسبابه . فالإعلام كان يضعنا أمام مشهد واضح وصريح لما يحدث في الأرضية السياسية اليمنية وبجميع متفرقاتها الاجتماعية و الشعبية والاقتصادية ، وان كان هذا الإعلام كان مناقضا لنفسه في بعض الأحيان إلا أن العقل لا يناقض نفسه أبدا وأصبح للجمهور المتلقي نظرة عامة متزنة لما يحدث في اليمن .

حركات احتجاجية ومظاهرات جد متوترة حملت جميعا مطلب إسقاط النظام وإبعاد صالح وحاشيته من الحكم ، قابلتها أطراف أخرى تدعم النظام وتدعو إلى بقاءه واستمراريته وبين هذا وذاك شهد اليمن انشقاقات وتصدعات على مستوى الكتلة السياسية التي تقود البلاد وأخذت السياسة العامة للدولة ملامح جديدة مازلت مشبوهة الهوية لحد الساعة . ولم يعد هناك إلا خيط رفيع جدا يربط صالح بالحكم ، بالتالي مطلب اليمنيين بإزاحة صالح من أعلى هرم الحكم أصبح أمرا واقعا ، لكن بعد هذا كيف هو الواقع ، واقع المسرح السياسي و الاجتماعي في اليمن العريق ، وكيف هي المفارقة بين يمن اليوم ويمن الأمس .

وأصبح من الواضح تراجع المتابعة الإعلامية للشأن اليمني وتراجعت مرتبته ضمن أولويات الأحداث في أجندة العديد من المؤسسات الإعلامية التي كانت تضع الحدث اليمني على رأس سلم اهتماماتها و تغطياتها ،الأمر الذي جعل البعض بل الغالبية يرى أن اليمن دخلت مرحلة من الاستقرار السياسي و توازن في الحياة الاجتماعية ، هذا ما يبدو و ماهو على الظاهر على الأقل ، لكن الخفي أن اليمن يعيش حالة من الاختناق السياسي .

السؤال الذي يفرض نفسه في خضم هذا الواقع الحتمي ، اهكذا شكل الإنجاب الذي أراده اليمنيون بعد مخاض طويل وعسير ، واقع يبدو انه الأسوأ على الإطلاق هو الذي يعيشه اليوم الشعب اليمني ، فالتغيير السياسي النابع من إرادة شعبية وحده لايكفي لتحقيق امال الشعوب إذا لم تلقى أساسيات وأشكال هذا التغيير التوجيه السليم في مسار واحد بعيدا عن من يركبون الأمواج ويصطادون في المياه العكرة ، كما يحدث الآن في اليمن ، فإسقاط النظام وحده ليس كفيلا بتحقيق العهد المنشود مادام البديل مفقود .