الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:١١ مساءً

لا زال يُصفّق منذ 2006

عبدالعزيز الهياجم
الاثنين ، ١٠ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
لا يزال جميعنا يتذكر التصفيقات الحارة التي كانت تصدر عن القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام سلطان البركاني في مهرجان بميدان السبعين عام 2006 حين أعلن الرئيس السابق علي عبد الله صالح تراجعه عن قراره بعدم الترشح لتلك الانتخابات التي نافسه فيها المرحوم المهندس فيصل بن شملان.

كانت كاميرا التلفزيون الحكومي تظهر وقتذاك تصفيقات البركاني بشكل فاق كل الحشود التي كان يموج بها الميدان , تصفيقات حارة لا شك أنها منحت القيادي المؤتمري صفة « الموالي المخلص» من وجهة نظر المؤيدين و«المزايد الكبير » من زاوية الخصوم , وهي لا شك أضافت إليه الكثير من المصالح والامتيازات , لكنها كانت تسجل في حقيقة الأمر انتكاسة لزعيم كاد أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه بقرار لم يسبقه إليه أحد من الحاكمين «العرب طبعاً».

تلك التصفيقات قادت الزعيم إلى ولاية رئاسية جديدة ..ولاية بدت لاحقاً أشبه بـ«سبعٍ عجاف» أكلت رصيد ثمان وعشرين سنة سابقة وأوصلت صالح إلى حالة لا ترضي صديقاً ولا تسر عدواً.

قبل تصفيقات البركاني قال صالح إنه لن يكون تاكسي للفاسدين والانتهازيين , وكانت الصحافة العربية تعج بالتقارير والتحليلات التي تتناول قرار أطول الزعماء اليمنيين عمراً في كرسي الحكم وأقربهم إلى نهاية سعيدة لا تتضمن خروجاً مهيناً ولا اغتيالاً دموياً ولا خلعاً شعبياً ولا إرادة أمريكية أدارت ظهرها من قبل لكثير من الرؤساء الحلفاء الذين تكون نهايتهم بالنسبة لواشنطن مجرد بداية لحليف ومتعاون جديد.

وبعد تصفيقات البركاني تبخرت كل الوعود الانتخابية بالإصلاحات والإنجازات وتحسين الظروف المعيشية للناس والقضاء على الفقر والبطالة و... إلخ ودخل البلد في دوامة كارثية من الخلافات السياسية ومنعطف كارثي من الفساد غير المسبوق.

لو لم تكن تلك التصفيقات التي أطالت بقاء التاكسي في الخدمة وحمت الفاسدين من السقوط , لما وجد الزعيم نفسه مطلع العام 2011ضحية موجة الربيع العربي وضحية تصريحات البركاني بقلع العداد نهائياً.

قاوم الزعيم بعضاً من الوقت تلك التظاهرات والاحتجاجات التي لم تسكتها تصفيقات البركاني الذي ظل بجوار صالح في كل وقت وحين ولم يخلد للنوم سوى يوم جمعة 3يونيو التي كادت أن تودي بحياة الزعيم وأصابت وقتلت عدداً من معاونيه لم يكن من بينهم بطبيعة الحال البركاني وكما يقول إخوتنا المصريون« عُمر الشقي بقي».

ومع أن الحلفاء الإقليميين والدوليين ضمنوا للزعيم مخرجاً مغايراً لنهاية أقرانه في تونس ومصر وليبيا وتمكنوا من كبح جماح الثورة الشبابية وتحويل الربيع إلى أزمة وصياغة مبادرة شكلت خروجاً مشرفاً ومستقبلاً آمناً من شبح الملاحقات بفعل قانون الحصانة , إلا أن التصفيقات البركانية التي عاودت الظهور في الصالة الرياضية المغلقة بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس المؤتمر شكلت منعطفاً جديداً يرى فيه المراقبون انتكاسة جديدة لذلك الخروج الآمن والمشرف ومن شأنها الدفع بالزعيم إلى مزيد من التراجع في الرصيد التاريخي الذي لم يبق منه سوى أقل القليل.

واللافت أنه بعد رحيل الأستاذ عبد العزيز عبد الغني وآثار حادثة النهدين التي لا زال يعاني منها اللواء الدكتور رشاد العليمي ، أصبح البركاني بالنسبة للزعيم وللحزب يشكل تمثيلاً أول لكيان جغرافي وسكاني كبير اسمه تعز , ومثل هذا التمثيل تم انتقاؤه في فترة سابقة بعناية وبمواصفات تفصيلية مريحة وبديلة , وهو تمثيل يستمد قوته ووجوده من رضا الزعيم على تلك التصفيقات الحارة وليس مستنداً إلى ثقل شعبي ومرجعية قبلية.

كان خوف الزعيم من الاعتماد على تمثيل الشخصيات ذات الوزن الكبير ولذلك تم إقصاء كل رموز العائلات التاريخية السياسية والمشيخية في تعز واستبداله بتمثيل لا يشكل قلقاً أو هاجساً ..وهي نظرية أثبتت الأيام قصورها وخطأها ,, لأن ما اتضح للجميع هو أن خطر « التصفيقات» أكبر من خطر« التصويبات ».