الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٣٦ مساءً

تريم مدينة الحفاظ

منير سالم بازهير
الاثنين ، ٠٣ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
قال العلامة الحافظ مرتضى الزبيدي في تاج العروس شرح القاموس: تَرِيمٌ ، كأَمِيرٍ مدينةٌ بحَضْرَمَوْتَ سُمِّيَت باسم بانِيها تَرِيمُ بنُ حَضْرمَوْت ،ثم قال: قال شيخُنا العلامة عبدالرحمن بن مصطفى العيدروس: يقال هي عُشُّ الأولياء وَمَنْبِتُهم.

وإليك لمحة مقتضبة تبين بعض أحوال رجال العلم والصلاح في مدينة تريم مع القرآن الكريم من حيث التفاعل معه تلاوة وحفظا.. فمن ذلك ما رواه صاحب المشرع عن الإمام محمد بن حسن جمل الليل (ت845هـ) من أنه كان يردد الآية الواحدة نصف ليلة وربما مضت عليه ليلة كاملة وهو يرددها، ويتفكر في لطيف أسرارها ودقيق معانيها فقرأ في ليلة آية:{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: ٩٦] فما زال يرددها ويتذوق من أسرارها حلاوة عجيبة حتى طلع عليه الفجر وهو كذلك، و كان يقول رحمه الله تعالى: يفتح علي في معاني القرآن ما لا أقدر أن أصفه، ويظهر لي شيء ما أحسن أعبر عنه، وكان يقول: إذا ظهر لي شيء من عجائب القرآن غبت عن الوجود حتى لو ضربت بالسيف لم أشعر به.

وذكر العلامة احمد بن حسن الحداد في كتاب الفوائد السنية صورة جميلة ورائعة تؤكد تفاعل المجتمع التريمي مع القرآن وأنواره وهي: أنه صاح صائح يوماً بمدينة تريم فخرج من حملة السلاح ألف كلهم حافظ للقرآن العظيم.

قلت: فإذا كان حملة السلاح يتواجد بينهم ألف ممن يحفظ كتاب الله فكيف بمن تفرغ لطلب العلم؟ وهذا يؤكد أن أهالي تريم تميزوا في تلك العصور باهتمامهم البالغ بتحفيظ القرآن الكريم ولذلك عرفت مدينة تريم بمدينة الحفاظ.

وإذا تأملت تراجم رجال مدينة تريم في كتاب المشرع الروي مثلاً تجده عندما يذكر مناقب أحدهم يقول: ((ولد بتريم وحفظ القرآن العظيم..)) مما حمل الأستاذ المؤرخ شكيب أرسلان بعد أن أطلع على تراجم رجال هذه البلدة أن يقول: لو كان عندي مزيد من الوقت لألفت كتاباً وسميته: ((الحجر الكريم فيمن ولد بتريم وحفظ القرآن العظيم)).

وذكر في كتاب الفوائد السنية: أن رجلاً مر في شارع من شوارع تريم بعد صلاة الصبح يريد السفر فسمع في ذلك الشارع أربعين بيت مبتدئين في قراءة سورة يس غير من قد توسط فيها وغير من يقرأ في غيرها، فحري بأهل تريم الحفاظ على هذا المجد المتمثل في حفظ كتاب الله وتعلمه وتعليمه.. والتفاعل الجاد مع شريف أخلاقه و سامي تعاليمه أناء الليل وأطراف النهار.. كما أن عليهم الاهتمام بغرسه في نفوس الناشئة.. وبالله التوفيق..