الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٤٩ صباحاً

باسندوة .. البكاء الأخير

اسكندر شاهر
الجمعة ، ١٧ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ مساءً
أخيراً .. أعلن رئيس حكومة الوفاق محمد سالم باسندوة وفاة التسوية السياسية في اليمن بصورة شبه رسمية من خلال مقاله تحت عنوان " دور المجتمع الدولي في إنجاح التسوية السياسية في اليمن " الذي نشره في صحيفة "الوطن" السعودية على حلقتين .. ويُقال أن الكتابة كانت في مصر والنشر في السعودية والموضوع عن اليمن بطبيعة الحال ..

من غير المعلوم إن كان باسندوة قد بكي وهو يكتب مقاله أو ، وهو يقرأه فيما لو كتبه مستشاره الإعلامي (الإصلاحي) ورئيس تحرير صحيفة الصحوة الناطقة بلسان حزب الإصلاح ، ( على الأرجح ) بالرغم من زعم بعضهم أن من كتبه مستشاره السياسي علي الصراري الذي نفى ذلك وبرغم الحملة الإعلامية التي تبناها حزب الإصلاح على حليفه باسندوة ، فالكاميرا لم ترصد واقعة كتابة ( المقال الخطيئة / الجُرم التاريخي ) والمواجهة مع الشعب أو ممثليهم المزورين أو المجلس الوطني المزور أو اللجنة التحضيرية للحوار المزور لم تكن قائمة لتدفع باسندوة ربما للبكاء الأخير في حضرتهم فيما لو افترضنا أنه يسجل فعلاً شهادة وفاة التسوية السياسية ورحيل حكومته بقوة المثال القائل " إن للباطل جولة ثم يضمحل " .

كان بعضهم يقول قبل سنوات أن علي عبد الله صالح الأحمر لو كان قد تعهد بقراره عدم خوض انتخابات 2006م ، وهو القرار الذي أعلنه في 2005م والتزم به ، لكان قد دخل التاريخ من أوسع أبوابه ، وكنا نقول مقولة الأخطل الصغير :
إذا عُرف الكذّاب بالكذب لم يزل ... لدى الناس كذاباً وإن كان صادقاً

على أن صالح مافتيء أن كشف أنه يكذب ولم يزل وأنه لم يعرف الصدق .. وعندما جاءت ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية وكان صالح قاب قوسين أو أدنى من نيل مصير حسني مبارك أو سابقه التونسي تأكدت مقولة أنه لو كان قد غادر المشهد السياسي 2006م لكان قد دخل التاريخ ولحل مكانه قاتل آخر ومحاكمة مختلفة من شركاء الحكم إياهم ، ولئن فعلها و غادر السلطة آنذاك فلن يحول ذللك من قيام ثورة فبراير بل ربما سنحتاج لأكثر وأكبر منها .. وهذا ما تؤكده أقوال وأفعال أطراف التسوية السياسية الكسيحة أو المتوفاة ..

لم يُفلح صالح في دخول التاريخ ولم نُفلح في إخراجه منه بالثورة السلمية لأن التسوية أرادت ذلك ، ولأنها شاءت غير مشيئة الشعب اليمني ، فإنها تخرج هي الأخرى من التاريخ لتتصدر الثورة المشهد مجدداً بعد أن تموضعت لبعض الوقت بسبب الخنق المتعمد والاقتتال على هامشها ومحاولات حرفها عن مسارها ، والتقاسم والمحاصصة على مذبحها ، وابتزاز الخارج بها .

شركاء صالح في الحكم والمعارضة فكلاهما وجهان لعملة واحدة وبعد أن باتوا حُكماً مشتركاً لا لقاءا غير مشترك يثبتون بأنهم يجيدون الكذب كـ (مهرة) وليس كمهارة ، فباسندوة في مقاله الأخير يقول إن "الشباب الثائر" وافقوا على انتهاج "المسار السياسي القائم على تنفيذ المبادرة الخليجية، محتفظين بحقهم في تفعيل المسار الثوري في أية لحظة يجدون فيها أن عملية التسوية قد خرجت عن الوفاء بالاستحقاقات التي نصت عليها المبادرة، أو تنكبت الطريق المؤدي إلى الأهداف التي قامت الثورة من أجل تحقيقها" ، وهذه مغالطة ومحاولة لتزييف للواقع فإذا كان من أحد قد وافق على المسار السياسي فهم أنفسهم أصحاب التسوية السياسية ، ولأجل ذلك عمدوا إلى تشكيل المجلس الوطني لقوى الثورة للحديث باسمها وإلا لكان بإمكانهم أن يبقوا في مواقعهم كلقاء مشترك ولجنة تحضير الأرواح أو الحوار التابعة لحميد الأحمر ويتركوا قوى الثورة تقول رأيها بمعزل عنهم حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، وإذا سلّمنا بأن قوى محسوبة على الثورة أو الحراك الجنوبي قد أُقحمت في ذاك المجلس فقد كان كافياً انسحاب مجاميع منهم في إعلانات متوالية بمن فيهم صاحبة نوبل "توكل كرمان" للقول بحزم وجزم أن
المجلس الوطني ليس وطنيا ولا ثورياً وأن الثورة لم توافق على المبادرة الخليجية ولم تعول على المسار السياسي بالمطلق ولكنهم أمضوا مسارهم السياسي بقوة العسكر والمشائخ الثورجيين والمال السعودي والخليجي والإسناد الغربي والإعلام المضلل التابع لأحزابهم الكهنوتية التي لم تتعرف حتى اللحظة على معنى الدولة المدنية .

كان صالح يمارس ابتزاز الجيران والخارج عموماً بمافي ذلك الأمريكان ويستخدم أوراقاً عرف كيف يوظفها ردحاً من الزمن حتى باتت أمراً واقعاً وفي مقدمها ورقة القاعدة والإرهاب ، وكان ابتزازاً رخيصاً ولكنه ليس أرخص من الابتزاز السياسي الذي يأتي على حساب ثورة بيضاء قدمت قوافل من الشهداء الجرحى والمعاقين والمخفيين قسرياً حتى هذه اللحظة ..

إن ما جاء في مقال باسندوة الذي كان عليه أن يرقى إلى مستوى "البكاء الأخير" والاعتراف بالذنب والإخفاق في تحمل المسؤولية التي أنيطت بهم يؤكد حجم الفساد السياسي ، فماجاء في المقال من تهديد بالعودة إلى اعتماد الخيار الثوري وإسقاط التسوية لا يمكن إلا أن ينتظم في إطار الابتزاز واستدعاء الخارج للعبث أكثر في الداخل وليس استقواءاً بالداخل أو عوداً إلى الرشد ..

الاستقواء بالداخل الذي كانت الثورة قد وفرت فرصته الوحيدة ولكنهم رفضوه لحساب الاستقواء بالخارج ولايمكن العودة مجدداً للعب المسرحية في فصل جديد ، فالبطل الثوري المغرر به و الذي قال ذات مرة ( حيّا بهم حيّا ) بات طارداً لضيوف جُدد لساحته فكيف بضيوف قدامى ( وسّخوا وشمّتوا شمات ) .

ولسان حال الثورة تقول لهم : اعتمدوا أي خيار غير الخيار الثوري ولوحوا بأي ورقة للابتزاز غير هذه الثورة الطاهرة وافعلوا ماشئتم وماوافق هواكم ولكن ليس في وسطها .. بعيداً عن ساحة الثورة مارسوا كل طقوسكم ولتمتثلوا قول الشاعر :

إذا نحن جاوزنا مدينة واسط ... خرينا وصلينا بغير حساب

إن المقال الخطيئة / الجرم التاريخي كما تريد أن تصوره وسائل إعلام حزب الإصلاح بمافيهم توكل كرمان أصلح الله حالها ، ليس إلا مادة كشفت عن الخلل البنيوي الذي لطالما تحدثنا عنه في إطار اللقاء المشترك ، وكشفت عن حجم الأزمة الأخلاقية التي تغرق بها هذه الأحزاب لمصلحة حزب يستشرس من أجل السلطة وعينه على تونس ومصر ويرفع أعلام الجماعات المسلحة في سورية لينتظم في إطار معادلة ( القرار للأمريكان والسلطة للأخوان ) دون أن يثنيه عن هذا شيء ولديه الاستعداد لتقديم الثورة قرباناً والإطاحة بباسندوة ككبش فداء من أجل إنعاش التسوية السياسية التي لوح رئيس الحكومة بالإطاحة بها لمصلحة الخيار الثوري ، فكأنما أكل بن سالم تفاحة آدم واستحق العقاب بالنزول إلى الأرض من جنة الفردوس الأعلى ، وهو في حقيقة الأمر لم يفعل شيئاً سوى أنه هاجم بقايا النظام ؟!! وأشار إلى تراخي رعاة المبادرة ودعاهم - حدّ الترجي- للمزيد من ممارسة الضغط ، واستعار من صالح أسلوب الابتزاز بالتلويح بالثورة فماذا فعل أكثر من هذا ؟

اللافت أن باسندوة لم يهاجم سوى ما يسميه بقايا النظام والمقصود بهم حسب ماهو متدوال عائلة صالح وأطراف في حزبه ، ومن يطلع على هجوم الإصلاح على باسندوة يعتقد بأن باسندوة كان يقصد ببقايا النظام حزب الإصلاح .. المهم أنه بالمحصلة يظهر للمتابع البسيط أن حزب الإصلاح يهاجم باسندوة دفاعاً عن بقايا النظام سواءا كانت تلك خدعة إعلامية لإعادة الحياة للتسوية السياسية التي أعلن باسندوة وفاتها أم كانت ردة فعل ضلت سبيلها لفعل ضل سبيله أيضاً .. ونحن لا نأسى على باسندوة وهو يتعرض لهذا الهجوم لأنه لم يأسَ على نفسه من قبل من بعد .

إيماءة
إن من يقفون على الضفة الأخرى في صف الثورة السلمية وفي مواجهة جبهة إنقاذ المبادرة الخليجية والتسوية السياسية لا تعنيهم مسألة من يكونوا بقايا النظام لأن النظام لديهم ماثل بكل تشكيلاته القديمة ، ولكن ما يعني جبهة إنقاذ الثورة ومن يقفون في صف الثورة هو الاستفادة من إعلان وفاة التسوية السياسية ومن هذه المفارقات التي تحدث بين أطرافها والتي سبق وأن تحدث عنها كاتب هذا المقال لبرامج تلفزيونية بعد إعلان الحكومة مباشرة وتصريحات متوالية كان آخرها قبل أسبوع ، بتأكيد أنها حكومة من ورق وأن التسوية السياسية تفشل كل يوم ، ومآلها السقوط ، وأنّ لدى قوى التغيير الحقيقية الآن فرصة متاحة أكثر من أي وقت مضى للحوار وإعادة ترتيب قوة ثالثة من خلال اصطفاف سياسي عريض وهذه هي (المبادرة اليمنية) التي سأكشف عنها في مقال لاحق والتي أحسب أنها ستفتح آفاقاً جديدة .

إيماءة أخرى
الحملة المليونية التي تتحرك في محافظات يمنية عدة لرفض التدخل الخارجي في اليمن والتي تحركها بلاشك قوى محسوبة على الثورة لا الثورة المضادة وأطراف التسوية المرتهنين للخارج تشكل مبادرة مهمة في سبيل تعزير تلاحم قوى التغيير الحقيقية واصطفافها خلف مباديء أساسية ولعل مناسبة يوم القدس العالمي يوم غد الجمعة تمثل عنواناً آخراً لهذا الاصطفاف في طريق الخلاص.