الاثنين ، ٢٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٢٣ مساءً

مشائخ العار وحكومة "لن ندفع"

صالح السندي
السبت ، ١٢ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
هذه المرة انتفضت مشائخ قبائل اليمن قاطبة عن بكرة أبيها , وعقدت المؤتمرات والمهرجانات والهبت اصقاع الدنيا بصوتها وضجيجها , وقامت قيامة الشيخ ولم تقعد , صاحبتها حملات اعلامية واسعة لمواقع النظام السابق في تأجيج نار الوطن , ولم تكن هبة المشائخ لنصرة الوطن والمظلوم , ولم تكن لنصرة الثورة والشعب, ولم تكن أبدا للوقوف مع الثوابت الوطنية وخوفا علي اليمن ووحدته واستقرارة , ولم تكن للدعوة الى وقف عمليات القتل والحرب والدمار في ارحب ونهم وكافة مناطق الجمهورية الملتهبة , ولم تكن لوقف عمليات التخريب لأبراج الكهرباء , ووقف عمليات تفجير المنشآت النفطية ومصادر الغاز والطاقة , ولم تكن لمناصرة اهالي ابين والجنوب ضد خطر تنظيم القاعدة , المشائخ اليوم تنتفض لأجل كرامتها المسلوبة و مزاعم وقف المخصصات المالية والتي تبلغ 13 مليار ريال , والتي تورد الى الخزينة العامة من ضرائب ودخل المواطن وعرق الكادحين وأموال الفقراء واليتامى.

حينما قامت الثورة الشبابية الشعبية وثار الوطن لأجل كرامتة المسلوبة والتغيير , لم نسمع عن ’’مشائخ العار’’ أية تحركات قوية ونافذة مع الوطن ضد النظام السابق , وعلى سبيل الحصر لا التعميم , كان هناك مواقف مشرفة للقبائل المنضمة للثورة والمنضوية تحت رايتها , كما حدث مثلا في حماية مسيرة الحياة والكرامة من قبل القبائل الموالية للثورة , وحماية تعز من بطش قوات الحرس العائلي وفلول النظام السابق , وكما كان لها أدوار و مواقف مشرفة وصامدة ضد تبجح النظام الحاكم حينها في ارحب ونهم وتكوين اللجان الشعبية في ابين لمواجهة خطر القاعدة , هؤلاء جميعا مستثنيين من التعميم للتحركات الاخيرة لجموع مشائخ اليمن , وبروزهم بذلك الشكل المخزي والمهين للمطالبه بمخصصات مالية ومستحقات باطلة , ومطالبة الحكومة بإعطاء مالا تملك لمن لا يستحق .

وإن كانت دعوى هذه الاجتماعات والمؤتمرات المستمرة بذريعة الاهانة و ضد اسلوب خطاب باسندوة الناري الذي وصف أن تلك الاموال تصرف لشراء الذمم والولاءات , ولكن الحقيقة ان انتفاضة المشائخ ورؤوس القبائل كانت لتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة , وهذا ما يعود بنا الى الذاكرة الحية من عبق الثورة واحداثها الدموية والتأمل في دور المشائخ بشكل عام , فحينما امتلأت الساحات بدمآء الشهدآء والجرحى لم نسمع مثل هذه التحركات والاجتماعات القبلية , بل على النقيض وقفت جموع المشائخ مع الرئيس السابق ونظامة بقوة داعمة وحامية له , وزادت من شوكتة وديمومتة , وكانت عاملا رئيسيا في طول عمر بقائة وتأجيل الحسم الثوري , وقادت المسيرات والحملات الشعبية والجماهيرية المناصرة له الى ميدان السبعين لنصرة الشرعية الدستورية المزعومة , وحينما قصفت الأحياء والمساكن وقتل الأبرياء العزل , كان موقف المشائخ سلبياً و صادماً جدا من الصمت المطبق ببرود شديد , بل وذهب الأغلب الى مؤيدة هذه الاعمال الوحشية والبطش ضد شباب الثورة ووقفت داعمة للنظام السابق بكل حملاتة وارتكاب المجازر ومساندته بالرجال والمال والسلاح .

ولن ننسى جمعة الكرامة المحفورة في ذاكرة الوطن والأذهان عن تلك الوجوة الملثمة المقنعة وهي تعتلي أسطح البنايات وتفتح نار الحقد الدفين على الشباب وتحصد الارواح بلا رحمة , واتضح مؤخرا ان ورائهم شيخ كبير ذو منصب عسكري نافذ , ولن ننسى مسيرة الحياة وهي تعانق افق صنعاء قادمة من تعز لتغتال على ضفاف صنعاء في منطقة دار سلم وتستقبل المسيرة بقتل إمرأة وعشرات الشهدآء والجرحى , وتبين ان وراء العملية الغادرة شيخ ذو منصب كبير ,ولن تغيب عن الذاكرة مأساة مهجري الجعاشن الذي تسبب بها الشيخ محمد احمد منصور الذي يمثل الوجه الحقيقي للنظام السابق ونظام المشائخ معاً, ولن ننسى ما تكبدتة الثورة الشبابية من قوافل من الشهداء والقتلي والجرحى بسبب تعنت واستكبار المشائخ ونصرتهم للنظام السابق ودعمهم له , ووقوفهم ضد الدولة المدنية وضد كل ما هو حديث وعصري , فلا تجتمع الدولة المدنية والحداثة وعوامل الرقي مع النظام القبلي و القبيلة والشيخ في بوتقه واحدة , ومحال ان تقوم أسس التطور والازدهار في ظل حكومة الشيخ و القبيلة .

حينما تحدث با سندوة بذلك الخطاب الناري الذي وصفة البعض بانه أشبه ما يكون بنبش عش الدبابير ويفتح ابواب القدر المجهول على نفسة وحين ختم حديثة قائلا انه سيقدم روحة فداءا للوطن , فهل كان يعني ما يعني ويعي ما يقول ويسطر نهاية الحمدي الذي وقف بقوة ضد تمرد الشيخ والقبيلة , وحاول جاهدا على تحويل اليمن من ’’جمهورية المشائخ’’ الى جمهورية يمنية حديثة , اسئلة عديدة تعود الى الذاكرة وتفتح ملفات الماضي والتأريخ لنقرءاه بتمعن وحكمة وروية عن دور المشائخ في اليمن مع مرور واختلاف مراحل الثورة والتأريخ اليمني وتقلباتة المتتالية , فالتأريخ يوضح ان مواقف المشائخ كان في الأغلب سلبيا ضد ارادة الشعب اليمني , ولعبت المشائخ في اليمن ادوارا مزدوجة في التلاعب برحى الوطن , فمن مؤيدة للحكومات والانظمة المتعاقبه سواء ابان الحكم الملكي او الحكم الجمهوري حفاظا على مصالحها الخاصة ومركزها الاجتماعي والحفاظ على النفوذ والسيطرة , الى التمادي في نصرة الانظمة الديكتاتورية وبسط سيطرتها على الدولة والوطن , وبذا تم دمج مفهوم الدولة والقبيلة في نظام قبلي مدني مختلط غلبت علية صبغة القبيلة السائدة في الحكم و التحكم بمراكز الدولة ومفاصلها الحيوية والعسكرية , بينما استحوذ على الجانب المدني الكوادر المتعلمة والمثقفة- التى لا حول لها ولا قوة- كالمراكز الصحية والإنشائية والإدارية في ظل حكومة جمهورية المشائخ , فالدور الأساسي والرئيسي كانت تلعبة القبيلة والشيخ والاقطاعيات المالية والارستقراطية البحتة في جمهورية وليدة كانت تنشد الحرية والديموقراطية وتكافؤ الفرص , مما ولد صداما مريراً بين العلم والجهل , بين الماضي ومخلفاتة والحاضر وآمالة , فكيف تستقيم آمال واحلام المدنية والحداثة في ظل وجود المشيخة كنظام وحجر عثرة امام التطور والتمدن .

وان كان قبول الثقافة اليمنية لهذا المكون كعنصر اجتماعي أساسي و مؤثر في المجتمع اليمني القبلي والعشائري , ولكن ليبقى دورة بعيدا عن السلطة ومراكز صنع القرار والاستفراد بخيارات الشعب والتحكم بمصيرة , ان خطاب با سندوة وان كان فية الشئ الكثير من المصداقية الا انه لم يتم بصورة رسمية وبقرار رسمي ولم يتم الاعلان عنه وعن تداولة في اروقة السياسة بصورة جدية , فهل فعلا سينفذ القرار وتعود الميزانية ادراجها الى تحت قبة البرلمان لإعادة النظر فيها والتصويت عليها مجددا , ولكن الخطوة بحد ذاتها جريئة جدا واظهرت للوطن مدى العبث والتمادي من قبل مشائخ النظام وتغليبهم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة , رغم ان الميزانية بالارقام لا تذكر امام ما يتم استلامة من الجارة الكبرى السعودية , فالسعودية كريمة جدا في إغداق الهدايا و الهبات والعطايا والأموال الطائلة لمناصري النظام السعودي واياديها في اليمن لتنفيذ اجندتها واهدافها في نشر سياساتها في اليمن والبقاء عليه مرهونا لحكم آل سعود وتحت إمرتة .

إذن القضاء على نظام المشيخة او الشيخ في اليمن سيجر بتداعيات على السياسة اليمنية الدولية , وسينقلب السحر على الساحر في مفاهيم التعامل مع الجوار , فهذه الورقة الرابحة جدا في ميزان وموازين القوى في اليد السعودية تحركها متى شائت لتخدم توجهاتها و اطماعها , عبر الاموال والمرتبات الشهرية التي يتقاضها أشهر مشائخ اليمن ورموزها القبيلية , والتي لم تعد خافية على أحد ويعرفها القاصي والداني , فإنهاء حكم الشيخ سيسحب البساط السياسي من تحت اقدام المملكة , وسيقوض نفوذها في اليمن , وسيخرج اليمن من العباءة السعودية وربما لفترات طويلة جدا , سيصاحبها تغيرات مستقبلية مستوحاة من التغيير الوطني واليمني الواعي , فدولة يمنية حديثة تملك الكثير من الخبرات والكوادر والمؤهلات العلمية الرائدة , ستؤثر بشكل ايجابي وكبير في عجلة التنمية الوطنية , وتخلق مكانة اقليمية ودولية لليمن الحديث , وبأيدي وسواعد الجيل الحر الثائر سيخلق يمنا متمدنا متطورا حديثا خارج عن سيطرة ونفوذ القبيلة والشيخ , وهذا ما لا يروق أبدا لدول الجوار والسعودية خاصة , فمعادلة وجود جمهورية يمنية متطوره في الجنوب العربي تقظ مضاجع حكام وملوك الخليج قاطبة , وتخنق آمال الجوار بالتوسع والسيطرة , ويصعب معها حل وحسم المعادلة الدولية من العزلة القائمة عن وجود جمهورية في عمق الحكم الملكي الخليجي صعبة الحل والتصور معاً , و هذا ماخلق مساحة كبيرة من عدم الانسجام والتوافق على مدى عقود بين اليمن والجوار , فتناقض الإرادات والسياسات الوطنية مع وجود التسلط وفرض الهيمنة الخارجية خلق صراعا مريرا لا ينتهي , وكان المشائخ احد اركان هذا التدخل في الشؤون اليمنية الداخلية الخاصة , والاداة الوحيدة والفعالة التي يستند عليها الحكم السعودي في شراء الذمم وبيع الولاءات والمتاجرة بالمبادئ وتنفيذ الأجندة الخاصة.

ولعل ثورة المشائخ ضد الحملة الشبابية والاعلامية الحضاريه التي تبناها اغلب شباب الثورة تحمل أبعادا اكثر من كونها ثورة ضد مخصصات مالية او اهانات متتالية لرموز القبيلة في اليمن , انها ثورة شبابية متمدنة ضد النظام السابق والعهد القديم وجميع مخلفاته وهيئاته وتشكيلاتة القائمة , ثورة بين جيل جديد متمدن متحرر يرفض الإنصياع تحت إمرة القبيلة والشيخ , متمرد على طقوس الماضي وعاداتة التراكمية المتخلفة , شباب حر شب عن الطوق وطقوس القبيلة , ومحافظا على أصالته اليمنية وهويتة الإسلامية السمحة , جيل شاب واع يتوق للحرية وبناء الدولة المدنية الحديثة التي لم ولن تقوم في وجود الشيخ والسلطان والامير والأسياد.

أبعاد هذه الحملة الاعلامية المتبادلة لم تتوقف رحاها في الشبكة العنكبوتية او في وسائل الاعلام المختلفة , ولكن وكما يبدو واضحا ان الشباب سينتصر في هذه الحملة الاعلامية التوعوية ضد سلبيات ومخلفات الماضي , وهذا ما يقودنا هنا الى ’’دعوة للحوار’’ قبل ’’دعوة للتعايش’’ مع المشائخ ورموز القبيلة , كلٌ في مكانة وأطرة الاجتماعية والسياسية المختلفة , وكل يؤدي دورة بما يملية علية الواجب والضمير الوطني , وعلى جميع المشائخ ان تعرف ان زمن العبودية والذل والارهاب الفكري وتسلط العادات والتقاليد البائدة قد ولّى وانتهى , وما يحكم اليمن الان هو نظام مؤسسات الدولة المدنية , او هذا ما نتمناة فعلا من التغيير القادم في المستقبل القريب , جمهورية يمنية خاليه من حكم المشائخ والقبيلة , ان الدعوة في هذه النظرة ليس تحاملا اجمالا على المشائخ فالشيخ اولا واخيرا مواطن يمني له حقوق وواجبات , ويحيا في ظل الجمهورية اليمنية , ولكن كان الأولى بان يكونوا معاول بناء لا هدم , دعاة مدنية وتطور لا دعاة تخلف وتقهقر.