الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٣١ صباحاً

حراكنا يدمي الجنوب

حسام ردمان
الثلاثاء ، ٢١ فبراير ٢٠١٢ الساعة ٠٦:١٤ صباحاً
انتهى.. أم لم ينتهي ؟ سؤال أرق الأعين واتعب العقول وأرعب القلوب ، وعجز الساسة والثوار بمختلف انتمائتم وطوائفهم عن الإجابة عنه إجابة شافية ووافية تطمأن الشعب تهدئه وتعطيه الإشارة أن هلمّ بنا لبدء مسيرة العمل والتشييد بغية بناء اليمن الجديد.

ولكن زمن الحيرة انتهى .. فهاهو الشعب يقرر الإجابة بنفسه ، ويرسم بأنامله المستقبل القادم الذي ينشده بعد أن كان يقبل به مرغماً ،فالشعب أخيراً قرر- وبعد سنوات عجاف- أن يمحو العتمة من دربة بعد أن كانت هي دربه ، بل وحدد يوم 21فراير موعداً لنورٍ جافانا لثلاثة وثلاثون عام .
ولكن وكما هي العادة فإن لكل فعل رد فعل مساو له بالقوة ومعاكس بالاتجاه .. فمن الطبيعي أن نسمع أصوات كثيرة تتنادى بالمقاطعة وتدعو للممانعة ، ولكن عندما ننضر عن كثب إلى كل تلك القوى التي تدعو لسياسة تكبيل الأيادي بحجة إحقاق الحق نجد بأنها قوى تحركها النزعة الطائفة أو المناطقية ، التي قامت الثورة لتقف أمامهما وتحل محلهما نزعة واحدة أسمها الوطن ، وهما كذالك النزعتان التي راهن ولا يزل يراهن صالح عليهما كي تعيداه - بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- إلى سدة الحكم .
وبعيداً عن الغوص في النوايا فأننا بشر نحكم من الظاهر والظاهر هنا بأن الحوثيين والحراك لا يريدون من المقاطعة سوى مصلحة أنفسهن وليس كما يرددون بنبرات كاذبة : مصلحة الوطن .. فأي مصلحة وطنية هي تلك التي يحققها الحوثيون عندما يحرمون أنفسهم من الاستحقاق الانتخابي ، وأي خدمة هي تلك التي سيقدمها الحراك بمقاطعته للانتخابات سوى إشاعة الفوضى وزرع الضغائن بين أبناء الجنوب أنفسهم ،ولعل أكبر دليل على حديثي هنا هو محرقة "كريتر" ارتكبت بحق الثوار و التي لم يختلف المشهد فيها كثيراً عن هلوكست تعز التي أججت الثورة حينها ولكن الفرق الوحيد أن الفاعل تنوع و اختلف فبعد أن كان النظام بات الحراك .

صدقوني أنا لا أكيل الاتهامات للحراك الجنوبي وأعضائه وشبابه ، فهو -كما يعرف الجميع- لم بنشاء ويتأسس حبا في السلطة وبغيتاً في الحكم بالعكس فقد كان دائماً يدافع عن قضية عادلة ويدعو لاسترجاع حق منهوب من قبل عصابة أنهكت البلاد والعباد .

ولا يستطيع احد من الساسة أو المواطنين أو الثوار – ومهما بلغ تعصبه - أن ينكر الحراك أو يقصيه من المشهد السياسي ، فقد كان الجنوب سباقاً في الدعوة إلى الثورة والتحرر من النظام الصالحي الغاشم ولكنه وللأسف قوبل ببرود مخيف من قبل الشماليين فظل على أثر ذالك ظل يناضل وحيداً ويدعو للانفصال بعد أن رأى فيه الوسيلة الوحيد لتخلص من النظام ولأنصاف القضية الجنوبية ، وفي سبيل جهاده لأجل قضيته سقط له آلاف من الشهداء الذين نترحم على أرواحهم .. ولكن ومنذ فبراير الماضي تشاطر الشمال والجنوب نضالهم الثوري ومثلما سقط الشهداء في الجنوب تساقطوا في الشمال فباتت الدعوة بعد ذالك للانفصال بمثابة الخيانة لدماء الشهداء الذين سقطوا في تعز وإب وصنعاء وفي كل المحافظات الشمالية فقط لأنهم ندوا بالحرية لليمن ككل ولأنهم هتفوا قائلين: الشعب يريد بناء يمن جديد دون ذكر شمالٍ أو جنوبٍ و دونما أي تحديد .. فالثورة يا أخوتي قدمت الكثير والكثير للقضية الجنوبية وأولتها اهتماماً خاصاً بل وجعلتها من أولوياتها ،وأوصلتها إلى درجة عالية من الأهمية بعد أن كان التعتيم الإعلامي يلاحقها يشيبها ويكمم فمها .. واليوم هانحن نجد الخلافات بين القيادات الحراك تزداد حدة وذالك بسبب الفصيل المتطرف المنتمي إليه والمتمثل بالبيض .

فهناك الكثير من العقلاء ممن يرى بأن خدمة القضية الجنوب لا يعني الانفصال ولا شيء غيره وإنما هناك أكثر من حلٍ وسط يخدم الجنوب ويحافظ كذالك على وحدته مع الشمال ، ويرون كذالك أن انفصال اليمن لن يختلف كثيراً عن انفصال السودان الذي لازال يعاني من المشاكل والنزاعات القبلية وبات قاب قوسين أو ادني من الدخول في أتون حرب ستحرق النسل والحرث هناك .

وفي الجانب الأخر هناك تيار متطرف - إن صح التعبير - يعتقد انه هو الجنوب ويظن انه يسدي الخدمات للجنوب ويحقق مصالح شعبه عندما يحقق مصالحه هو ،والمؤسف بأن هذا التيار لم يقدم أي خدمات للجنوب وإنما قدم خدمة العمر للنظام ، فمن خلاله استطاع النظام بمختلف أجهزته الأمنية أن يخترق الحراك ويرتكب كل الجرائم بحق اليمن وبحق الجنوب وبحق والثوار ويجعله هو الجاني .

لا أخفي عليك عزيزي القارئ بأنني عدني النشأة والمولد ولا أخفي عليك أني كنت من مؤيدي الحراك ومن المتبنين لأفكاره ظنناً بأننا قادرون على صنع التغير بأنفسنا دون بقية أبناء اليمن ، ولكن بعد أن انتفضت كل محافظات الجمهورية في الحادي عشر من فبراير أيقنت بأن الثورة لا تصنعها تيارات دينية أو أحزاب سياسية أو حركات مناطقية وإنما يصنعها الشعب إذا وفقط أذا تحالف واتحد بكل قواه وشرائحه ومكوناته كي يقف في وجه الظلم ويقاوم الاستعباد والاستبداد .. لذا نرجو من الحراك أن يتروى قليلاً قراراته وأن يكبح من جموح مسلحيه الذين ما فتئوا ينشرون النار في كل مكان ، ونتمنى منه أن لا يجعل الحرية حجة يظلم بها الناس .