الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٣٠ صباحاً

من هم الحوثيون؟ (إجابة مهمة عن سؤال غير مهم)

محمد عارف
الثلاثاء ، ٠٧ فبراير ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ مساءً
اتضحت معالم الحركة الحوثية بجلاء بعد العام 2003 كحركة مسلحة أخذت في اقتناء الأسلحة وتخزين الذخائر وحفر الخنادق وبناء المتاريس والتعبئة النفسية والمعنوية.. استعدادا لملحمة الدفاع عن النفس ضد الأمريكيين.

كان ذلك في ظل ظروف وأوضاع دولية وإقليمية استثنائية منها:
-أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما أعقبها من حرب أمريكية لاحتلال أفغانستان والعراق.

-حرب أمريكية أخري علي الأصوليين الإسلاميين في العالم وقد امتدت إلي اليمن لتلاحق زعامات اسلامية كبيرة أخوانية كالزنداني أو إصلاحية كالمؤيد أو إجتماعية كفارس مناع، و أذكر أن من أولي تصريحات حسين بدرالدين كان رفضه القاطع لتسليم الزنداني أو أية شخصية يمنية أخري إلي أمريكا!
-ظهور وانتشار البث الفضائي والإعلام المستقل بشكل واسع وكان ذلك بمثابة صدمة للناس إذ فوجئو بمناظر مؤلمة وأخبار حية عن كل البشاعات والإنتهاكات التي يتعرض لها المسلمون في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها مما وفر الكثير من التعبئة والعداء ضد الغرب وبسبب ذلك الإعلام المبهر توقع حسين بدرالدين لدرجة الإيمان أن اليمن هو التالي علي قائمة الحرب الأمريكية.

-كان أسامة بن لادن في طريقه إلي التحول إلي بطل شعبي وديني كبير في تلك الفترة التي بلغ فيها إحساس الناس بالإمتهان ذروته، لدرجة أن الكثيرين بدأوا يرددون أنه (المهدي المنتظر) هذا شكل استفزازا كبيرا لحسين بدرالدين الذي يحتقر الوهابيين كفكر ووصول ابن لادن لدرجة تشبيهه بالمهدي هوأكبر إهانة له ولقبيلته (الفاطميين) لأن المهدي يجب أن يكون أحدهم واعتبر ذلك دليلا علي تخاذلهم، وأن عليهم قبل غيرهم واجب قتال امريكا (الدجال) واستعادة صفة (المهدوية).

لقد استفاد حسين الحوثي من عنصرين أساسيين في بناء حركته:
الأول: حركة الشباب المؤمن التي ظهرت عام 1991 كحركة ثقافية تهدف إلي نشر التعليم الديني المنفتح في أوساط الطائفة الزيدية وكانت قد امتدت الي جميع المحافظات الشمالية الست ولم تلاق أي إعتراض لا من الدولة ولامن الأحزاب أو الطوائف الأخري بسبب سلميتها وجدواها الإجتماعي والثقافي
الثاني ابناء قبيلته (الفاطميين) بمجمل إرثهم التاريخي المتمثل في أنهم كانو حكام اليمن لألف عام وقد حولتهم الجمهورية إلي أقلية تكاد تكون خارج الحياة السياسية، وبإرثهم الأيديولوجي الذي يتلخص في أن الحكم هو حقهم من الله تعالي وكل حاكم من غيرهم هو مغتصب لذلك الحق.
وقد شكل من هذين العنصرين اللبنات البشرية الضرورية لماعرف بالحركة الحوثية.

أما قصة إعتلائهم عرش صعدة فقد كانت قصة مريرة إمتلأت تفاصيلها بأنهار من الدماء وعذابات عشرات الآلاف من المشردين ومئات الإنتهاكات لحقوق الإنسان وأعراف وقوانين الحروب وحقوق الأسري ... شملت كل قرية وكل جبل وكل سهل في المحافظة في سلسلة متواصلة من الحروب والدمار من عزلة لأخري ومن قبيلة لأخري ومن مديرية لأخري ضد أي أحد يعترض تقدمهم أو قد يشكل عائقا أمام تقدمهم من جيش أو أمن أو مواطنين أوشخصيات اجتماعية أو قبائل أو حتي جماعات أو طوائف مذهبية أخري.... كانوا حربا شاملة ضد كل شئ وتصرفوا كما لوكان الناس والشعب هم آخر قوة يحترمونها أو يحسبون حسابها، حتي أن أحد كبار علماء الزية (وهو الوحيد الذي احتفظ بشجاعته أمامهم) لم يستطع أن يصنفهم ضمن المسلمين وقال أنه لم يجد أحدا من المسلمين علي شتي مذاهبهم استباح دماء المسلمين وأموالهم بهذه الصورة، وأن ما فعلوه بالناس يجعلهم أخطر علي الناس من أمريكا وإسرائيل وبالتالي فإن قتالهم صار أوجب من قتال الصهاينة.

لقد بني الحوثيون منظومتهم الفكرية علي فكرة جوهرية تتشعب عنها بقية أفكارهم وإتجاهاتهم وتستمد منها معناها و لونها الحوثي المميز وهي فكرة الإصطفاء وقد تعرف باسم آخر هو التفضيل ومفادها أن الله تعالي فضل العرق الفاطمي أو اصطفاهم علي باقي الأعراق والأجناس، وأنه سبحانه عهد إليهم دون غيرهم بالقيام بأمر الدين وأمر الدنيا، يأخذ الناس عنهم دينهم (فلا تكون الهداة إلا منهم) وكذلك هم الحكام السياسيين فلا تحل الولاية العامة إلا لهم ولا ينبغي أن تعدوهم، وهذه النظرية السياسية في الحكم هي أولي النظريات السياسية التي عرفها الإنسان تعود إلي أزمنة موغلة في القدم في مصر القديمة وفي شرق آسيا والرافدين حيث سادت فيها ماعرف بالنظام العبودي الكهنوتي والكهنة هم سلالة معينة يشكلون رجال الدين في المجتمع يتوارثون مجموعة معتقدات دينية سرية، ويكون الحاكم السياسي منهم وهو الوسيط بين الآلهة والشعب (نصف إله)، وبالطبع فإن الأمور الدينية أو السياسية هي من المحرمات علي بقية أفراد الشعب.

وقد بقيت آثار هذا التفكير العبودي الكهنوتي إلي اليوم لدي الطوائف الأكثر إنغلاقا، كالطائفة اليهودية أوالطائفة البراهمانية في الهند أو المجتمعات الأكثر عزلة كاليابان أو الصيين.. ولا أدري كيف تسللت هذه الفكرة إلي عقائد الزيدية إلا أن النقوش تشير أن الدولة الحميرية القديمة كانت تحكم البلاد بنفس ذلك النظام العبودي.

إن الحوثيون بحسب نظرية الإصطفاء لا يؤمنون بتاتا بالديمقراطية لإن مسألة اختيار الحاكم محسومة منذ آلاف السنين فالله تعالي هو من يختار ويحدد من هم الحكام فقد اختار بني إسرائيل حكاما لهذا العالم ثم سحب الله البساط من تحتهم (نفضهم) وأعطاه عليا(ع) والفاطميين من بعده إلي قيام الساعة....ومثل كل بيوت العنكبوت فإن هذه الأفكار تتهاوي بسرعة أمام الحوار والبحث العلمي الرصين لكنهم يأخذونها كمسلمات ويتداولونها كبديهيات لا تحتاج إلي برهنة ولا تتم دراستها إلا لماما.

كما أن الحوثيين تبعا لذلك لا يؤمنون بالإختلاف في الرأي وبتقبل الرأي والرأي الآخر، ولابد للناس أن يكونوا علي قلب رجل واحد، فلا يوجد إلا حق أو باطل وبالطبع هم علي الحق الذي لا يخالطهم فيه أدني شك، وهذا الحق الأبلج لايمكن ان يستجدي الناس الاعتراف به وإنما ينبغي أن يفرض عليهم فرضا كما قال أحد شعرائهم الشعبيين:(ذي مايقتنع با تقنعه صفر المعابر).

كما أن هذا الفكر السياسي القادم من مجاهل التاريخ لا يمكن أن تجد فيه أي معني لمفاهيم ضرورية لبناء المجتمعات كالوطن أو التقدم أو التنمية أو التطور أو المستقبل أو التخلف....كما لا يمكن أن تجد فيه أي تصور لدولة مؤسسية حديثة فهم لا يؤمنون بالقوانين والدساتير والمؤسسات التشريعية والقضائية .... يكفيهم في الحكم والسياسة كتاب الله وهو بين أيديهم وهم ورثة الكتاب الذين يفهمونه وينطقون باسمه الأحكام والقرارات الصائبة (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)

كانت الزيدية قد عاشت خلال قرون طويلة حياة عقلية فريدة، حفظت للمسلمين خلالها تراثهم العقلي من الضياع علي وجه الخصوص الفكر المعتزلي ... إلا أن الحوثيون بسبب حسهم القبلي الإستثنائي وبسبب إرتكاز منظومتهم الذهنية علي نظرية الإصطفاء فقد كانت أولي معاركهم هي ضد العقل والتعقل والعلوم العقلية والتي عرفت عند الزيدية بأصول الدين وأصول الفقه فقد اعتبروها مجرد ضلالات وأباطيل وذلك لسبب غير معقول -بالطبع- وهو أن مصدرها "الآخرين" أي من خارج القبيلة الفاطمية وبالتالي كانت السبب في تخاذل الزيدية واختلافاتهم علي مر التاريخ.

ويعتبر التفكير العقلي هو المقدمة و الأساس الضروري للإنتقال إلي التفكير الموضوعي العلمي، وبما أن الحوثيون قد نسفوا ذلك الأساس العقلي فمن الطبيعي أن لا تلمس في حياتهم أي أثر للتفكير العلمي الموضوعي حتي قبل أن يعلموا أن مؤسس المنطق التجريبي العلمي ليس فاطميا وإنما واحد كافر اسمه "فرانسيس بيكون" . لذلك فإنهم يعيشون حياة وأساليب تفكير قبل علمية وقبل ميتافيزيقية عقلية ثقافتهم خليط من النظريات والأفكار والأوهام والمعلومات الغير مستقيمة عقلا والتي لا يمكن التثبت من صحتها عمليا، يكتسبون هذا الخليط المعرفي من بعضهم الآخر من خلال جلسات دورية يتبادلون فيها ثقافة شفاهية نقلية، ويكتفون بها عن أية مصادر معرفية أخري كالكتب أو الصحف أو العلماء أو المفكرين أوالمثقفي ... وهم محصنين ضد تصديق أو تقبل أو أخذ أي شيئ عن هذه المصادر ولديهم القدرة علي امتصاص النقد وعدم التأثر به بل والتواؤم معه، كما أنهم بالطبع لا يحبون التعليم المدرسي وحتي وإن تساهلوا في أمر الإلتحاق به مؤخرا فإنهم في الواقع لا يأخذونه علي محمل الجد كمصدر معرفي صادق وإنما كضرورة إجتماعية واقتصادية.

وبالرغم من أن مؤشرات الإنغلاق في علم الإجتماع (والتي يقف في أعلاها الإعتقاد بالتفوق العرقي والزواج الداخلي) تؤكد أنهم جماعة منغلقة إلا أنهم علي أرض الواقع يحققون تواصلا جيدا وسهلا مع الآخرين، فلا زالوا جزأ مهما من النسيج الإجتماعي وهم يركزون في تواصلهم مع الناس علي النقاط المشتركة دون إثارة المسائل العنصرية مما يعطي الناس باستمرار شعورا وأملا في أن هؤلاء قابلين للتعديل والتغير والتعلم.