الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٠٣ صباحاً

الأغلبية الصامتة والأقليات الثورية

محمد عارف
الثلاثاء ، ١٧ يناير ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
هنالك احتمالات عديدة أن لا تصل البلاد إلي الإستقرار السياسي والسلام الاجتماعي والأمن الأهلي علي المدي القريب إذ أن الهياكل السياسية التي انتجتها الثورة قد تخفق في تحقيق ذلك .

لقد استطاعت مؤسسات المجتمع القوية في مصر وتونس استيعاب الحدث الثوري وتنفيذه وصياغة مخرجاته لتنتهي إلي حكومة منتخبة تكتسب شرعيتها من الأكثرية الإنتخابية وليس من الأقليات الثورية، لكن هذه الحكومات المنتخبة لا تملك من القوة إلا شرعيتها لذالك فإنها ستظل عرضة لثورات جديدة قد تزيحها بسهولة عن الحكم.

الوضع في اليمن أكثر تعقيدا مما هو عليه في مصر وتونس، فقد انهارت مؤسسات المجتمع الهشة منذ البداية، تماما كما حدث في ليبيا، وكان علي المجتمع الدولي لملمة وتأليف فريق حكومي من جميع الفرقاء ( يمثلون في الحقيقة قوي و أقليات سلطوية و قبلية و طائفية قبل حديثة) وذلك لتنفيذ و إنتاج مخرجات الثورة و الوصول بالبلاد إلي نظام ديمقراطي حديث!
وهنا علينا إكتشاف لماذا تونس و مصر حظوظهما أوفر في الوصول إلي ذالك النظام الديمقراطي الحديث، فهنالك مؤسسات وطنية قوية تنفذ التغيير، بينما في اليمن فريق متنافر لم تثبت بعد وطنية أعضائه يقف خلفه مجتمع دولي (ماوراء وطني) يصعب التكهن والثقة بأهدافه ونواياه.

علي وجه العموم، اليمنيون والعرب ينهارون عند لحظة الديمقراطية، فكل ثوراتهم في القرن الماضي عجزت عن إنتاج نظام ديمقراطي عادل، بل كانت كل ثورة تكرس مزيدا من الإستبداد والتسلط... (هل السبب سيكولوجي راجع إلي طبائع الاستبداد والأنانية والعناد الأصيلة عند العرب وعند الأطفال؟أم أن السبب ذهني أيديولوجي يعتبر تسليم السلطة إلي الأغلبية الصامتة بعد كل تلك التضحيات هو محض حماقة)
الوحدة اليمنية فشلت في إرساء نظام ديمقراطي عادل يضمن لها الاستمرار والإستقرار والإزدهار، ذلك النظام الديمقراطي الذي لازال فعالا في الوحدة الألمانية ويعمل هناك بصورة مبهرة حتي اليوم، كان جميع القائمين علي الوحدة اليمنية يؤيدون فقط الديمقراطية التي تستبقيهم في السلطة، لذلك لجأوا إلي التقاسم الذي كان بمثابة مرثية حزينة علي الديمقراطية في اليمن وإيذانا بعودة البلاد إلي عهود (يامطحن دوري).

إن الثورة في اليمن أمام خيارين لاثالث لهما.. إما أن تكون ثورة فاشلة ترسخ الاستبداد والتسلط والفاشية ككل تاريخنا الثوري، أو تصبح نقطة تحول استثنائية في حياة هذا الوطن، فتنقلنا من مجتمع فوضوي هش تمضغه ببلادة طاحونة سرمدية من المشكلات والأزمات والحروب... إلي مجتمع ديمقراطي آمن، متقدم ومزدهر.

سنعرف ذلك عندما تدق ساعة الديمقراطية.

ففي الأشهر القادمة سنكون أمام استحقاق انتخابي رئاسي ونيابي، سيتحدد فيها مصير البلاد و طريقة الحياة التي ستختارها، سنعرف سريعا شكل المستقبل الذي ينتظرنا من خلال الأحداث والوقائع التي ستجيب عمليا عن ثلاثة أسئلة هامة ومصيرية:

-هل ستسمح هذه الأقليات بإجراء إنتخابات حرة ونزيهة دون أن تستدعي تاريخها الطويل و المشين في (برم) الأحابيل الإنتخابية: غش وتزوير و خداع و تضليل وترغيب وترهيب و وعد و وعيد ...؟

-هل ستقبل هذه الأقليات بنتائج الإنتخابات حتي لو كانت تقتضي تسليم السلطة للأغلبية الصامتة التي لم تشارك في الثورة ولم تكن معنية بها طوال الوقت؟

- هل ستذعن هذه الأقليات القوية عسكريا واقتصاديا لحكومة الأكثرية التي ليس لها من القوة سوي قوة الشرعية، وتلتزم بعدم الثورة عليها وإزاحتها تحت أي مبررثوري (فساد ثوري، خيانة الثورة، خيانة دماء الشهداء ...الخ) و تضمن في نفس الوقت أن لا تنزوا عليها بين الحين والآخر؟

إن احتمالات النجاح في وصول اليمن إلي نظام ديمقراطي حقيقي يكاد يكون مساويا لاحتمالات فشله، وما جعل احتمالات النجاح هذه قليلة هو الخطاب الإعلامي والسياسي لتلك الأقليات التي للأسف اعتمدت الكذب كإستراتيجية منذ البداية... كذب قد يرقي أحيانا إلي درجة البهتان والدجل والإفك القديم.