الاربعاء ، ٠١ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٧ صباحاً

القات والفساد .. الآفاتان اللتّان فتكتا بالجسد اليمني

محمد حمود الفقيه
الجمعة ، ١٣ يناير ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ مساءً
لا يختلف اثنان في أن شجرة القات التي تغطي ثلاثة أرباع التراب اليمني تعد من العوامل الأساسية التي جعلت هذا البلد العربي أقل الدول انتاجياً و صناعيا ًو زراعياً على مستوى الوطن العربي ، رغم ان اليمن جغرافيا ًيتمتع بميزات كبيره يمكنه ان يغطي دول الجوار الخليجي بالكثير من المنتجات الزراعية المختلفة خاصة تلك التي لا يزيد عمر إنتاجها عن ثلاثة شهور ، مثل الخضروات و الفواكة و يمكننا ان نضيف الحبوب بأنواعها ان تم تحديث زراعتها و تطويرها و الاهتمام بها ، ويمكن لليمن أن يكتفي ذاتيا ً من القمح بدلا ًمن إنفاق ملايين الدولارات لشرائه من الخارج .

القات _ هذه الشجرة الخبيثة التي في ظاهرها لا تشكل خطراً على من يأكلها أو يزرعها ، لكن خطرها على اليمن و أبناءه لا يقل خطراً من الفساد الذي دمر اليمن و مقوماته الحيوية و الاقتصادية ، فقد غض الكثير من اليمنيين و على رأسهم المسؤولين و العلماء و القضاة و المثقفين و أساتذة الجامعات و المعلمين الطرف عن هذه الآفة القاتلة ، و التي يمكننا القول أن جميع فئات المجتمع اليمني مشاركون بخطيئة هذه الشجرة ، بل من بين هؤلاء من يعتمد و بشكل أساسي على دخل هذه الشجرة المالي و الإيرادي ، نظرا ًلعدم توفر الفرص المعيشية لدى ملايين اليمنيين ، و منهم من تكون له عمود اقتصاده و ذروة سنام معيسته الحياتية ، هكذا اعتاد عليها هؤلاء منذ عشرات السنين ، و الذي يلاحظ مدى أثر استهلاك و زراعة هذه الشجرة المكروهه ماليا ً و المشغوفة اجتماعيا ًعلى اليمن و اليمنيين _ يجد بصماتها على النحو التالي : -

- أثرها على الزراعة : باختصار شديد ، قضت شجرة القات على معظم الأراضي و السهول الزراعية الصالحة لإنتاج المحاصيل الزراعية الأخرى ، و استنزفت المخزون المائى للبلاد بكميات كبيرة ما يجعل اليمن يواجه نقص حاد في المياه كل عام ، رغم موارده المائية الكبيرة التي تعتمد على الامطار ، وغطى القات مساحات زراعية كبيرة كانت تنتج القمح و الذرة والحبوب و الفواكه و البن و القطن و غيرها ، و أصبح المستهلك للحبوب يبحث عنها عن طريق السوق الخارجي ، و هذا لا شك يكلف اليمن ميزانية كبيرة لشراء المحاصيل الزراعية خاصة القمح و الدقيق ، و إضافة الى ذلك ، توجه المزارع اليمني الذي كان يزرع و ينتج هذه المحاصيل ، نحو زراعة القات مبرراً ذلك بالأهمية النفعية لإيراداته المالية التي لا يمكنه الحصول عليها من المحاصيل الأخرى ، نظرا لأن ما يعود عليه من القات لا يقارن ما يحصل عليه من المحاصيل الزراعية الأخرى كذلك .

- أثرها على الجانب الاجتماعي : يعد القات من أكبر المسببات للمشاكل الاجتماعية سواءً بين الفرد و من حوله من أقاربه ، أو حتى بينه وبين البيئة الاجتماعية المحيطة به ، فكثيرا ما انتشرت المشاكل الاجتماعية المختلفة بين من ينتجون و يزرعون القات اليمن ، حتى ان بعضها يصل الى حد القتل بلا هوادة ، و الذي يتأمل الى حوله في أي منطقة تشتهر بها زراعة القات ، يرى المحاكم تعج بقضايا القتل و الإجرام لأجل هذه الشجرة الخبيثة و كذلك انتشار حالات الطلاق و الأمراض النفسية المزمنة ، و كذلك أحدث تناول القات ( التخزينة ) باللغة الدارجه اليمنية .. شرخاً تربوياً كبيراً بين الأب و ابنه و شرخاً اجتماعيا ً كذلك بين الزوج وزوجته ، ولاحظ أخي القارئ ان ( المولعي ) اليمني بسبب القات لا يستطيع الخروج مع أبنائه الى الحديقة أو الى أماكن السباحة أو غيرها من الأماكن الترفيهية العائلية ، و الجانب الآخر ان اب الأسرة لا يعود الى بيته إلا متأخراً من الليل ، فلا يحتك مع أبنائه الصغار أو ان يجلس معهم أو ان يشارك زوجته في تعليمهم و تربيتهم كلا _ إنما يظل يلهف نهاره وراء القات و ليله ضيقا ًحرجا ًكأنما يصّعّد في السماء من أثار هذه الشجرة الخبيثة ، و لا يستطيع الكاتب ان يبرء نفسه خطيئة القات ..

- اثر القات على التعليم و التربية :
لا يمكنني ان أنسى قضية التعليم ، العمود الفقري و الركيزة الأساسية لبناء الأمم و الشعوب ، و ما يؤسفني كثيراً أنني أرى شبابنا في عمر زهورهم يغادرون مدارسهم الى زوايا مجالس القات ، لينظموا الى الرحب الكبير من المدمنين اليمنيين لهذه الشجرة الخبيثة ، و انظم البعض من طلاب المدارس الى سوق القات للبحث عن العمل و تغطية النقص الحاد في ميزانية أسرهم و معيشتها ، و هذه تعد في نظري من أكبر السلبيات و الأضرار التي تلحق بشبابنا اليمني ، بل قد أصاب بنيتنا التعليمية و العلمية و الثقافية شلل نصفي بسبب هروب الكثير من الطلاب نحو سوق العمل قبل اكمال دراساتهم الثانوية و الجامعية ، و يعد سوق القات في اليمن من أكبر الأسواق التجارية أستيعاباً للشباب ، وهذا أفقدنا الكثير من لبنات البناء و التطور العلمي في المجالات المختلفة ، و كان بالإمكان ان يلتحق كل هؤلاء في سوق العمل التجاري و المهني ما ان يكملوا دراساتهم الجامعية ، و لكن قضى الله لشباب اليمن ان يغادروا مدارسهم وجامعاتهم نحو البحث عن ما يعولوا به أنفسهم و أهليهم ، و الله المستعان .

- الأثر الاقتصادي على ذوي الدخل المحدود :
و هذه الفئة من المستهلكين للقات من أكثر الفئات المتضررة اقتصاديا منه ، ذلك انهم أحيانا و هذه حالات كثيرة ، نراهم يجلبون قاتهم قبل جلبهم الرزق لأولادهم ، أو يتركون أسرهم من دون الاحتياجات الكمالية و حالات الضرورية و ينفقون أموالهم ابتداء ًمن توفير ( القات ) و ما تبقى من فلوسهم يشرون به الخبز و الماء دون ان ينالوا أبنائهم حظا ًمن العيش الكريم ، إضافة الى ذلك ان ما ينفق المستهلك ذات الدخل المحدود على القات ، أكثر من إنفاقه على المستلزمات الحياتيه الأخرى ، و هكذا يضل القات عائقا أمام تقدمنا و تطورنا في اليمن ، مثله مثل الفساد الذي أعاقنا عن كل تصور للحياة ، و اقعدنا نتسول و نتجول في كل مكان ، فلا بد كنت ثورة مجتمعية كبيرة ضد هذه الآفة الخبيثة ، كي نتخلص من أمراضنا و عللنا التي رافقت حياتنا طول السنين الماضية و للكلام بقية .....