الخميس ، ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٣١ مساءً

من ذكريات يناير

سلمان الحميدي
الأحد ، ١٩ يناير ٢٠٢٠ الساعة ٠٧:٢٢ مساءً
يناير 2011، أتذكر هذا الشهر جيدًا، كنا مغرمون بمتابعة الأحداث، ليس طلاب كلية الإعلام الذين جاؤوا لشغف المتابعة لإذهال الدكاترة، تعلم الصياغة، وتقييم الأخبار بين السلبي والإيجابي. كان الشباب كلهم يتابعون تلك النار المضطرمة التي تكبر في تونس وتقترب من النظام، الوطن العربي كله يشاهد، لم لا نكون مثلهم؟

كنا في صنعاء نكدح وندرس..

كنت مع العزيز محمد الجرادي، نبيت في مكتب العمل، لم نكن موظفين بالمعنى الرسمي، ومع ذلك كنا نستخدم الحواسيب المكتبية بانذهال، يا لهذا العالم الذي تعرفنا عليه من جوجل، يالسرعة تتابع الأحداث، هناك أشياء أخرى يضج بها هذا العالم أيضًا، المكبوتون في واقعهم يظنون أنهم يمارسون الحرية عندما يذهبون لتلك الأشياء العارية إلا من قليل، قرأت فيما بعد دراسة ذهبت إلى أن التحرش الجنسي يزيد في المجتمعات المكبوتة، الممنوعة من الحرية، الرازحة تحت نير الدكتاتوريات، الشعوب الممنوعة من قول ما تريد وفعل ما تريد، وإن اقتربت من أصنامها المقدسة اختفت في غياهب السجون أو العمليات المدبرة..

لعل الأنظمة العربية وقتئذ، ركنت على ذلك لإلهاء هذا الجيل، غير أن تشكل الوعي الشعبي غلب حيل الإلهاء الرسمي، صار الناس يتحدثون بجرأة عن "تغيير، ثورة" يطالبون برحيل نظام.
لقد انشغلنا بحدث تونس بشكل فردي أو جماعي، إرهاصات الثورة متوفرة في البلدان العربية، وعقول الشباب سئمت من الوضع السقيم.

في مكتب العمل، الصحيفة، تعرفنا في تلك الفترة على شاب قادم من خارج كلية الإعلام، لم نعرفه أين يدرس ولا كيف وصل إلينا، كان العزيز محمد المقبلي زميل تلك الليالي.

كنا نتحدث بنشوة عن التغيير، وعن المستقبل، في تلك الليالي كان أحد الباحثين والكُتاب، مجبرًا على السهر معنا، يحاول أن يغرق في الكتابة لينشر بأكثر من صحيفة، كان يمر بمشكلة مادية إلى درجة أنه لم يتمكن من العودة إلى البيت، لقد كان يكتب لعدة صحف محلية وعربية ويأخذون منه التصريحات، هذا الشخص "مفكر" يفترض أن يفرغ للتأليف، كان المقبلي يقول، ويرسم صورة مذهلة للتحولات: سنحمله على أكتافنا.. ستعرفه حتى الجماهير التي لا تقرأ..

شباب آخرون لا نعرفهم، في أمكنة أخرى لا نعرفها، عينهم على تونس ويرسمون مشهدًا مماثلا في بلدنا، إذ لم نكن نعرف هشام المسوري ولا أبناء الحقب، أما الشاعر الكبير فتحي أبو النصر، والناشطة توكل كرمان، وحمدي البكاري، كنا نصادف أسمائهم مصادفة.

غيرهم كثير ومن فئات مختلفة: طلاب، برلمانيون، صحفيون، محامون، ناشطات، شعراء، أناس بلا تصنيف، صاحب الكشك، ومار تائه في الطريق، بائع الشعير وبائعة الفل.
في ليلة 15 يناير، وبعد هروب الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، كانت قلوبنا تخفق بشدة.

في تلك الليلة كنت قد تركت المكتب وذهبت إلى بيت خالي في شارع تعز، فتحت قناة الجزيرة، لا لأتابع الأخبار وأحللها لأذهل الدكتور، ولا لأبحث عن صياغة الأخبار وتلمس معايير المهنية والموضوعية، كنت في انتظار جديد شباب تونس..

في ذلك اليوم سأتعرف على وجوه جديدة وأصوات جديدة في الإعلام من الصعب أن تبارح ذهني: ليلى الشيخلي تذيع، وفوزي بشرى يقرأ تقريره المذهل، الخارج عن القواعد التي يتلقنها طلاب الإعلام في مستوى أول أو ثاني..
جهورية الصوت متوائمة مع مستوى الحدث، الصياغة تسلب آذان المشاهدين وتأسرهم بالثورة..

اتصلت بزميلي محمد الجرادي لأخبره.. كان قد عرف بالفعل من النت.. أما فوزي بشرى فسيعرفه فيما بعد وقد لامست أحداث بلادنا حبال صوته الجذاب..
نمت متأخرًا، وعند الصباح اتصل محمد الجرادي وإلى جواره مجموعة من الأصوات: احنا في الطريق.. مظاهرة.. جهة السفارة التونسية..
أوه.. لم يكن يمزح.

من كليتنا أيضًا: العزيز فخر العزب، هشام الزيادي، ورداد السلامي..

ومن أماكن أخرى أشخاص أعرف أسماؤهم.. ووجوه شابه لم أكن أعرفهم من قبل، سرعان ما صرنا واحدًا بتوحد أحلامنا..

لقد قادتني الثورة للمعرفة بمعرفة الكثير.. كان الذاهبون من مختلف الفئات.. سنعرف هشام المسوري، في يوم ما سأجلس مع المفكر عبدالباري طاهر، ونأكل الغداء مع أحمد سيف حاشد.

من 16 يناير سأبدأ برؤية وجوه جديدة، منهم من استشهد بالثورة، منهم من مات، منهم من اغترب، ومنهم من أخذته الحرب الأخيرة، منهم من اغترب، ومنهم من ركب البحر بطريقة غير شرعية، منهم من تجند، ومنهم مازال يكافح في هذه الأوضاع..

في يناير 2020، تتحدث التقارير حول أكثر ما بحث عنه اليمنيون في السنة السابقة: الجنس!.

لعل ذلك يفصح عن عيش اليمنيين، وتقييد حريتهم من قبل الأوثان الجديدة..

صرنا نملك حواسيبنا، وفي الإرشيف: تقارير فوزي بشرى بالصوت والصورة، ونسخ قد فرغناها وحولناها إلى نصوص..