انقلب الجو، فانقلبت على الفراش يومين متتالين..
معظم الأطفال مرضى، والكبار يشتكون من أوجاع الحلق والزكام والحمى..
سمعت أحد المهتمين بالزراعة، يقول أن هذه الأيام تسمى: برد العواد، حيث الشمس تعود لمستقرها حيث كانت في الصيف، ويؤكد أن "برد العواد، يحل بالفؤاد" لدلالة على عمقه داخل الجسم، ولذا عليكم الاهتمام بالتدفئة، وخاصة تدفئة الأطفال، لأن هذا البرد ـ بحسب المزراعين ـ إذا استقر في الجسم، لا يخرج إلا في الصيف، يظل المرء يتعلعل مدة طويلة بسببه..
حين سمعت الكلام، لم أعره اهتمامًا، وفي الليل كنت في الخارج أبحث عن شبكة الانترنت بفانيلة بلا أكمام، ولم يكن العقل الباطن يخاطب أعضاء الجسم عن برد الأولين، أجزم على ذلك لميولي إلى عدم التعامل مع الفلك وكذلك لعدم الاهتمام بتفاصيل مواسم الزراعة.
أصبت بالزكام، الحمى، وكان هناك ما يشبه الوقيد أسفل الحلق.
علة بسيطة كما تبدو، جعلتني أستشف ضعفي، وفي فترات تمنيت الموت..
عندما يعتل الإنسان يكتشف ضعفه، حتى المتجبر يرى كم أن قوته وهم.
مشكلة الإنسان المريض تكمن إذا أزمن المرض فيه ودام، وهنا الحديث عن المتجبر إذا داهمه داء من الأدواء المزمنة، وتعايش معه، من يكتشف وهنه عندئذ لكنه راكب رأسه ويستمر في التجبر على الناس.
أغلب الساسة والقيادات مصابون بمرضى ـ نسأل الله أن يعافينا مما ابتلى به كثيرًا من الناس، غير أن كاريزما القيادة في البيئة الفاسدة، لا تجعله يغير من سياساته ويخفض من فساده على الأقل، يستمر بالبيع والشراء، التلاعب بمصالح الناس، الرشوة، الإضرار بالشعب، ولا كأنه مصاب بمرض، يبقى على وضعيته "داغز ريش" لا يثنيه عن دائه هذا الداء المزمن، لا يثنيه غير ثورة أو عزرائيل.
مصابون بمرضى القلب، لا يفكرون برد المظالم، معرضون لموت الفجأة، سكتة القلب، ذبحة الصدر، لا يفكرون في إيقاف سيل الدم الذي بدأوه.
معرضون للرصاص في أي وقت، لا يفكرون بالتنزه مع مستحقات الجنود.
أما المصابون بداء السكر، فيطعمون المر في أيامهم، وتجد منهم من يعاند حتى أفعال الخير فضلًا عن رد أرض استلبها بالقوة..
هذا التشخيص ليس تعميمًا بكل تأكيد، وهناك من رحم ربي، وتقوده العلة إلى عملية تغيير جذري في حياته..
أما من يركب رأسه ويستمر في طريق الجبرية واعتساف الآخرين، في وظيفة أو مظلمة، فإن ذلك مرجعه إلى عدة أسباب:
ـ التركيبة النفسية التي شكلت شخصية المريض منذ الصغر باعتماد المنهج النفسي..
ـ المال السائب يعلم الإنسان السرقة، حسب المنهج الشعبي، فتجري السرقة مجرى الدم.
ـ الطمع والجشع، وحب تقليد الآخرين، وخاصة فيما يتعلق بالاطمئنان على "مستقبل العيال" والتجمل على من هم "أكبر منه أو يماثلونه باعتساف حقوق الأدنى منه والأضعف"..
يقال أن المرض محرقة للذنوب، تطهير للنفس من شيء ما فعلناه خطأ أو بالخطأ، المتعافي الحاذق من يستفيد من علته ويراجع علاقته مع الآخرين، استشعارًا باللحظة التي ينسى فيها نفسه، حين تداهمه أوجاع لا يفكر معها بأحد..
الآن أنا في الخارج أبحث عن الشبكة لأرسل هذا المقال، نسيت ارتداء الجاكيت، وبرد العواد لم ينته بعد..