تعز بين "حانة" و "مانة"
موسى المقطري
السبت , 17 يونيو 2017
الساعة 10:51
صباحا
كان الرجل كلما دخل الى حجرة \"حانة \" تنظر الى لحيته وتنزع منها كل شعرة بيضاء ، وتقول:
\" يصعب علي عندما أرى الشعر الشائب يلعب بهذه اللحية الجميلة ، وأنت مازلت شابا \"...!!
فيذهب الرجل الى حجرة \"مانة \" فتمسك لحيته هي الأخرى وتنزع منها الشعر الأسود وهي تقول له:
\" يكدرني أن أرى شعرا أسود بلحيتك و أنت رجل كبير السن جليل القدر \"...!!
ودام حال الرجل على هذا المنوال إلى أن نظر في المرآة يوما فـــرأى وجهه قد اصبح بلا لحية ، فقال
عبارة شهيرة من وقتها صارت مثلا:
\" بين حانة ومانة ضاعت لحانا \"
****
تعز تخلت عن الانقلاب ومشروعه منذ لحظات ولادته المشؤمة ، وأعلنت بكل ما أوتيت من قوة أنها لن تعترف بهذا المشروع وما يترتب عليه ، وكان ولايزال موقفاً صائباً يليق بالتعزيين الضاربين في صفحات النضال المشرقة منذ القدم .
في سبيل هذا الموقف ولأجل محاولة إركاعها وثنيها حشد الانقلابيون العدة والعتادة ليهاجموا تعز المسالمة ، عاصمة العلم والثقافة ، فوقف القلم مقاوماً شامخاً ، وتخلى الدفتر عن سلميته مدافعاً عن أرضه ومدينته ، وتلقت تعز ولازالت جولات متكررة من القصف الهمجي ، والحصار الظالم ، وارتقى الشهداء ولازالوا يرتقون ، واكتضت المستشفيات ولازالت بالجرحى ، وأمتلأت سجون الانقلاب بالمعتقلين الأحرار من أبنائها .
خلال كل الخطوات التي تخطوها الشرعية كانت ولازالت تعز أول المرحبين ، وخير المعينين ، لا لسبب إلا تعلقا بالشرعية التي يجدها التعزيون الملاذ الوحيد من الاكتواء بنار الانقلاب غير الشرعي وما تمخض عنه .
لكن ما حصل ويحصل أن تعز تدفع في سبيل موقفها ثمناً باهضاً أكثر بكثير مما يمكن ان تتحمله المدينة الصابرة ، وتعاني كثيرا من الضربات المتتالية التي تأتيها جهتين اثنتين :
• أما الجهة الأولى فهي الانقلاب الحوثي العفاشي الذي أعلن حربه ضدها ، ويقصفها يومياً بالمدافع والدبابات ، ويحاصر أهلها ، ويقتلهم قنصاً وقصفاً ، ويحاول جاهداً وصف مقاوميها بالإرهاب رهبة من صمودهم الاسطوري .
• الجهة اخرى التي تتجرع منها تعز المرارة هي شرعيتنا الموقرة !
نعم .. الشرعية التي تستظل بظلها وتدافع عنها ولها تنتمي بفخر .
عانت تعز ولازالت تعاني كثيرا من ممارسات الشرعية إما بقصد او بدون قصد ، وكمثال فقط سأعرج على قضيتين جوهريتين مرتبطتين بالشرعية .
• لغز الرواتب :
ظل رئيس الحكومة يكرر أكثر من مرة أن الحكومة صرفت الرواتب للمناطق المحررة ! ، لكن الواقع في تعز يقول غير ذلك اطلاقا ، والجهود الذي بذلها المحافظ في كل الاتجاهات تصل دوماً لطريق مسدود ، وللانصاف فما تم صرفه من رواتب اقتصر على شهر يتيم لجزء يسير من موظفي التربية والتعليم ، وشريحة محدودة من موظفي النيابات والمحاكم فيما ينتظر بقية موظفي المحافظة وعود السراب التي يتحدث عنها اعلام الشرعية ، ويعانون الى جانب القصف والحصار الفقر وانعدام ذات اليد .
ثمانية اشهر وتعز تعاني من حرمان موظفيها الحكوميين من رواتبهم رغم انها قدمت ولازالت تقدم الادلة الواضحة والصريحة على إيمانها بالشرعية وكفرها بالانقلاب ، وفي سبيل هذا الموقف يمطرها الانقلابيون بقذائف الموت ويحاصرون مواطنيها ، وليس ذلك عليهم بغريب .
الغريب والاغرب والأكثر غرابة هو تخاذل مسؤلي الشرعية عن صرف مرتبات الموظفين ، وعدم تقديم مبرر مقنع لهذا التخاذل والعجز ، وسد الأبواب أمام كل محاولة لتجاوز المعضلة واصلاح الخلل .
ولا تقتصر هذه المعاناة على الموظفين المدنيين ، فالعكسريين المنطوين ضمن التشكيلات العكسرية التي تتبع الشرعية تعرقلت رواتبهم منذ اشهر لاسباب مجهولة ، ومبررات غير مقنعة .
•بسط هيبة الدولة :
تعز منذ القدم لا تعيش إلا في ظل دولة ، وحين خيروها بين دولة الانقلاب ودولة الشرعية إختارت الشرعية راضية مختارة ، وصدر هذا الموقف منذ أيام الانقلاب الاولى ، وتالياً أعادت الشرعية ترتيب أوراقها من جديد، وتواجدت كدولة في المحافظات المحررة ، لكنها لم تتواجد في تعز !.
تم تعيين محافظ ولم يتم دعمه بشئ من متطلبات تواجد الدولة ، كما تم تعيين مدراء لأغلب المكاتب التنفيذية للوزارت لكن الوزارات التابعة للحكومة الشرعية في قطيعة تامة عن مكاتبها في المحافظة .
على أرض الواقع ينشط في المحافظة ثلاثة وكلاء للمحافظ يذهب كل واحد منهم في اتجاه ، في ظل غياب تام للدور الحكومي في التوجيه والرقابة والمحاسبة ، وفي ظل هذا الغياب تضيع مصالح الموطنين ، وتختفي ايرادات المحافظة ، وتتراكم القمامة ، وتشكو كل المرافق الخدمية من العجز الكلي او شبه الكلي في أفضل الحالات ، وخاصة في قطاعي التعليم والصحة .
هذا كله سينتهي حين تقرر الشرعية التواجد كدولة في المحافظة ، تدعم وتحاسب وتراقب ، وماعدا ذلك فإن التعيينات التي تصدر تزيد الأمر سوءً ، وتفاقم المشكلة ولا تحلها .
بين ممارسات الانقلاب الاجرامية ، واهمال الحكومة الشرعية تقف تعز مكلومة صابرة ، ويعرف التعزيون لماذا يفعل بهم الانقلاب ما يفعل ، لكنهم يعجزون عن فهم سبب اهمالهم من قبل الشرعية ! ، ويصابون بالاحباط حين يعجزون عن ايجاد المبرر المقنع لذلك .
ينتظر التعزيون فرجاً ومخرجا ،ً ويحدوهم الأمل أن تستمع شرعيتنا لصوتهم المبحوح ، ولن يفكروا يوماً أنهم اخطأوا بنبذ الانقلاب وأدواته ، وكل ما ترتب عنه ، فهذه قضية مصيرية مرتبطة بالمبادئ والقيم الذي يؤمنون بها ، ويسعون لتأصيلها في السلوك الانساني عامة .
دمتم سالمين…
اخترنا لكم
آخر تحديث
السبت,23 نوفمبر 2024
الساعة 02:36
مساء
# | اسم العملة | بيع | شراء |
---|---|---|---|
دولار أمريكي | 2074.00 | 2061.50 | |
ريال سعودي | 542.00 | 540.00 |