تعيش بريطانيا حالة من المنافسة الديمقراطية بين أحزابها الرئيسية بعد أن دعت رئيسة حكومة المحافظين الى انتخابات برلمانية مبكرة يوم ٨ يونية القادم قبل ثلاث سنوات من موعد استحقاقها .
هذه البلدان الديمقراطية لا تجد غير الناس ملاذاً حينما تشتد الاوضًاع ، تعود إليهم الحكومات والأحزاب السياسية لتضع أمامهم مسئولية البحث عن دعم أو عن قرار باعتبارهم مصدر السلطة التي تفوض لهم في انتخابات عامة .
خلال اليومين الماضين جرت انتخابات المجالس المحلية في عموم بريطانيا وأممها الأربع على نطاق واسع .
والمجالس الحلية تعتبر ذات أهمية رئيسية في حياة المواطن اليومية ، فهي التي تدير بصورة مباشرة كل ما يتعلق بحياته اليومية من خدمات مثل التعليم والصحة والنظافة والطرقات والمواصلات والاتصالات والحدائق العامة والكهرباء والمياه والسكن والأسواق والمحلات التجارية والضرائب وجانب من الامن وتنمية المجتمعات المحلية بما في ذلك رخص البناء وتنظيم العمران وحماية البيئة وحماية التراث.
العلاقة بين المواطن والمجالس المحلية على مستوى الحي شديدة الأهمية لدرجة أن هذه الانتخابات تعد من حيث نتائجها أكثر أهمية في تقييم مكانة الأحزاب على الصعيد الاجتماعي .
في هذه الانتخابات التي جرت اليومين الماضيين حصل حزب المحافظين الحاكم على ١٩٠٠ مقعد بزيادة قدرها خمسمائة وواحد وستين مقعد عن الدورة الماضية وخسر فقط ثلاثة مقاعد ، وهو مؤشر شعبي عالي الأهمية بالنسبة لحزب حاكم ،ما يعني أن القاعدة الشعبية الواسعة راضية عن سياسته ونشاطه على الصعيد المحلي ، لأن المواطن يعطي صوته بناء على مستوى الخدمات الاجتماعية التي يحصل عليها ولا يخلط الامر بالمستوى الاخر من السياسات الكبرى ، فذلك موضوع يتعامل معه بمنظور آخر . يعني أن هذه النتائج على الصعيد المحلي لا تضمن للمحافظين أغلبية على صعيد الانتخابات العامة . وهذا ما أكدته رئيسة الوزراء بنظرة بعيدة المدى عندما أجلت فرحتها بالنتيجة لتنتظر رأي الشعب في سياساتها الكبرى ، وخاصة ما يتعلق بموضوع الاتحاد الاوربي ، في الانتخابات البرلمانية . تنتظر حكومة المحافظين تفويضاً شعبياً قوياً تدعم مفاوضاتها القاسية ، كما يبدو ، مع الاتحاد الاوربي . ما الذي الذي سيقوله الناخب البريطاني على هذا الصعيد ؟؟ هذا ما ينتظره العالم بعد أن سجلت نتائج الاستفتاء العام الماضي بشأن الخروج من الاتحاد الاوربي صدمة لدى كثير من الدوائر السياسية العالمية التي لم تتوقعها . فهل يخبئ الناخب البريطاني في جعبته صدمة أخرى من نوع آخر ؟
للحرية طعم لا يضاهيه أي شيء آخر حينما يتعين على الانسان أن يقول كلمته التي يعتقد انها تليق به بغض النظر نجح أم لم ينجح .
حزب العمال خسر ٣٣٤ مقعداً ليستقر نصيبه من المقاعد عند ١١٥١ مقعد من المقاعد المحلية وهي مؤشر هام لحالة التراجع التي يعيشها الحزب بسبب الانقسامات التي يمر بها منذ سنوات . سيتوقف على نتائج الانتخابات البرلمانية الوضع القيادي للحزب وهو الامر الذي لا يثير مشكلة حزبية داخلية لأن نتائج الانتخابات هي التي تحسم أمر الزعامة .
المؤشر الهام في هذه الانتخابات هي الخسارة الكاملة لحزب الاستقلال الUKIP الذي تزعم حملة الخروج من الاتحاد الاوربي بخطاب شعبوي اقرب ما يكون إلى احزاب اليمين المتطرف الأوربية . مما يعني ان قاعدته المؤيدة للخروج التحقت بحزب المحافظين واعطت أصواتها لحزب المحافظين في مؤشر إلى حقيقة أن التصويت للخروج من الاتحاد الاوربي لا ينطلق من سياسة انعزالية شعبوية تهدد النسيج الرائع للمجتمع البريطاني وانما من تقديرات لها علاقة بالاقتصاد واعادة تنظيم علاقة بريطانيا بأوربا والعالم واستعادة مكانة بريطانيا بين الأمم كما يراها هؤلاء .
الحزب القومي الإسكتلندي راوح في مكانه كأكبر حزب في اسكتلندة . أمامه متسع من الوقت للتفكير في برنامجه القادم وربما كانت النتائج البرلمانية القادمة مؤشراً على الاتجاه الذي سيرسي عليه مساره.