أسفر المسار المعقد للصراع السياسي في اليمن عن حاجة موضوعية لحوار وطني شامل بين كافة أطراف هذا الصراع ، تبلور عند نهايته ببروز كتلتين:
الاولى كتلة الحرب .
والثانية وكتلة السلام .
تكونت كتلة الحرب من القوى التي احتكرت امتلاك السلاح وظلت حريصة على تجميعه وحشده واستخدامه في معاركها السياسية ، ولم تر اطراف هذه الكتلة في الحوار سوى محطة لتعطيل وإحباطات الجهد الوطني السياسي بما يجعل خيار الحرب بديلا جاهزا بغض النظر عن عدم قبوله شعبياً . اطراف هذه الكتلة لا يجمعها سوى السلاح فهو خيارها الوحيد الذي تستند عليه في التمسك بما تعتقد انه حقا في الحكم من منظور تاريخي وجغرافي تشكل في الوعي كميراث إشكالي ، اصبح بمرور الزمن اداة حشد لتخريب اي محاولة لاصلاح احوال البلاد . ولذلك فقد وجدنا ان هذه الكتلة تنقلب على السلام بقوة السلاح عند اول اختبار لها تجاه هذه العملية التاريخية ولأسباب لا يبررها اي منطق سوى هذا الوعي الإشكالي المسلح بقوة لا تتوقف بصاحبها الا في خط النهاية حينما يكون قد احاط بها الدمار من كل جانب ، وحينما يصبح قرار السلام بالنسبة لها اصعب من قرار الحرب . والسؤال هو ما الذي يجعل هذه الكتلة تقبل بالسلام الذي انقلبت عليه اذا لم يفرض فرضاً ؟
أما كتلة السلام فيبدو انها كانت قد حسمت امرها باتجاه السلام من خلال تمسكها بمخرجات الحوار الوطني كطريق الى المستقبل وبناء الدولة . غير انها لم تلبث وتحت ثقل المسئولية ان عادت الى حمل السلاح لمقاومة الانقلاب ومصادرة الدولة ، ومن ثم حماية المشروع السياسي السلمي ، وأكرر حماية المشروع السياسي السلمي . وهذه الكتلة باطرافها العديدة المثقلة بتاريخ طويل من الصراعات وعدم الثقة لا يكفيها ان تعتمد على عنصر واحد ، وهو مقاومة الانقلاب ، لتجميع صفوفها وتعزيز تماسكها ، بل لا بد من ان تتخلص من العقل المبرمج على الصراع والنظر الى الشراكة بأنها ضرورة وليست دوشنة او هبة من احد لاحد . ان ما يعتمل في صفوفها ،ومن كافة الاطراف داخلها ، من محفزات وأشواق لإعادة انتاج الصراعات يخرب قيمة السلام كمعادل موضوعي لعودتها للسلاح . فإذا لم يكن هدفها هو فرض السلام في نهاية المطاف باعتباره مشروعها الذي تقاوم من اجله فإنها لن تختلف كثيرا عن كتلة الحرب . والقوة التي تقاوم من اجل فرض السلام لها شروط لا بد من العمل على استكمال توفرها بعيدا عن نزق بعض جيوبها والذي قد يجر الكتلة كلها الى نفس المأزق التاريخي الذي تناسلت منه كل الكوارث التي نعيشها اليوم باعتبارها كتلة غير طارئة.
* من حائط السفير اليمني لدى بريطانيا الدكتور ياسين سعيد نعمان على موقع فيسبوك