الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٤٢ مساءً

لماذا رحل حسني وزين وتأخر صالح!!!

د . عبد الملك الضرعي
الثلاثاء ، ١٣ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
يعاني الشباب الثائر في ساحات التغيير والحرية من اللوم الدائم من قبل العامة والقابعين في البيوت ، حيث يرددون القول المصريين والتونسيين أنجزوا ثورتهم في أسابيع وأنتم إقتربتم من العام في الساحات ،إن تأخركم يؤكد على عجزكم في إسقاط سلطة علي عبد الله صالح ، وبالتالي عليكم العودة إلى البيوت فما تقومون به ليس ثورة ، وتتعدد أشكال الهجوم على شباب الساحات أو المناصرين للثورة الشبابية الشعبية السلمية.

إننا نود التأكيد أن الشباب الثائر لم يتأخر كما يزعم البعض ، بل قدم الشباب خيرتهم شهداء في مواجهة آلة القمع التي تتبع عائلة صالح بشكل مباشر ، ودون شك أن آلة القمع تلك بدأت تتهاوى ، فالأحرار من أبناء الأمن المركزي والحرس الجمهوري أصبحوا الآن ضمن الجيش الوطني الحر، ولازال داخل معسكرات السلطة الكثير من الأحرار الذين يرفضون قتل إخوانهم في الدين والوطن .

إن الفرق بين زين العابدين بن علي وحسني مبارك وبين شعبي تونس ومصر ومن ثم المقارنة بعلي عبدالله صالح والشعب اليمني ، يضعنا أمام فروق جوهرية ، فالبنسبة لعلي عبدالله صالح فقد وضع خطة مسبقة ومحكمة للتشبث بالحكم ، تلك الخطة مرت بمراحل أولها الإعتماد على المقربين في إدارة المؤسسة العسكرية والأمنية ، فمنذ تسلمه للسلطة قرب إليه علي محسن صالح في قيادة أهم القوات العسكرية ممثلة (بالفرقة الأولى مدرع)وسلم أهم جهاز أمني وهو الأمن المركزي لأخيه المرحوم محمد عبدالله صالح ، ثم سلمت بقية المراكز العسكرية والأمنية لعدد من المقربين والأنساب ، وتلك كانت المرحلة الأولى، ثم جاءت المرحلة الثانية فبعد أن كبر الجيل الثاني من العائلة وهم الأبناء وأبناء الإخوة تم إستبعاد بعض المقربين السابقين بمن هم أقرب ، وعلى الرغم من استمرار القائد العسكري على محسن صالح في قيادة الفرقة الأولى مدرع ، إلاَّ أن التطوير والتحديث والإهتمام العسكري تركز في الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وغيرها من القوات المرتبطة بشكل مباشر بعائلة صالح ، بينما استبعدت الفرقة الأولى مدرع من برامج التطوير التي شهدتها القوات التي يديرها المقربين لصالح ، بل وتحملت الفرقة تبعات معظم المواجهات العسكرية خلال حكم صالح وآخرها حرب صعدة ،وعلى مستوى الأجهزة الأمنية الإستخباراتية فعلى الرغم من وجود جهاز الأمن السياسي فقد أنشأ جهاز مناظرهو جهاز الأمن القومي الذي تهيمن عليه العائلة أيضاً، إذن يمكن القول أن الرئيس علي عبدالله صالح حسب حساباً دقيقاً لمثل المرحلة الراهنة، من خلال تكوين شبكة من الأجهزة الأمنية والعسكرية العائلية التي تتولى حماية كرسي الحكم من السقوط ، وفعلاً هذه المعسكرات والأجهزة هي التي تتولى حالياً المواجهات ضد قوى الثورة السلمية ومناصريها في عدد من المحافظات ، وفي الجانب المدني كون الرئيس صالح شبكة من العلاقات الإجتماعية والعائلية والاقتصادية والإدارية خلال ثلث قرن ، تلك العلاقات يحصل من خلالها بعض الشخصيات على مزايا ومنافع عبر توجيهات غير قانونية وفي هؤلاء قادة عسكريين ومشائخ قبائل ووزراء ومدراء وغيرهم كثير،ومن ثم يمثل سقوط الرئيس صالح سقوطاً لهم ، وبالتالي يستميتون في الحفاظ على حكم صالح ، وعلينا أن نتخيل فصيل من هؤلاء يخصص لهم نسبة من الإنتاج النفطي كعطايا شهرية ، فمن يمكن أن يعطيهم مثل هذه العطايا في دولة نظام وقانون يعد الحاكم فيها موظف لدى الشعب لامالك ومتصرف في ثرواته ، وبالتالي لايوجد دولة في العالم تحترم نفسها توزع الموارد الوطنية لأسباب شخصية ، ومن ثم وجود دولة نظام وقانون ومواطنة متساوية سوف تحرم هؤلاء من ملايين الدولارات التي تمنحهالهم حكومة صالح كعطايا لولائهم للسلطة العائلية ،وفي الجانب السياسي جذر صالح مجموعة من السياسيين الموالين له في مختلف مفاصل الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام ) ومن ثم أصبحت لعائلة الرئيس الكلمة العليا على الكثير من قرارات الحزب الحاكم ، يضاف إلى ذلك تكوين الرئيس صالح لهيئة شرعية تعينه تسمى(جمعية علماء اليمن) أعانته في كثير من الأمور الشرعية ذات الصلة بالحكم ،ومن المعينات لصالح الأمية القرائية والتكنولوجية وخاصة ما يتصل منها بشبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) والتي كان لها الدور الرئيسي في ضعف الوعي السياسي وعدم التمييز بين الشائعة السياسية والحقيقة ، وبالعود إلى مبارك وزين العابدين لم تكن لهما تلك السلطة المطلقة في التصرف بالمال العام وتكوين أجهزة عسكرية وأمنية عائلية أو غيرها من الأجهزة التي تعينهما على البقاء في الحكم، فوجود البنية المؤسسية للدولة في مصر وتونس لم تمكن حسني وزين العابدين من تسخير المال العام لبناء هياكل الحكم العائلي المدعوم عسكرياً وأمنياً ،يضاف إلى ذلك مستوى الوعي السياسي الناتج عن معدلات التعليم والثقافة والتفاعل المجتمعي مع شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)، فعلى الرغم من تخطيط حسني مبارك لتوريث الحكم لإبنه جمال مثلاً ، إلاَّ أن اعتماده المباشر كان يستند على نفوذ الرئيس على الحزب الوطني الحاكم ، وقد يقول البعض أن حسني مبارك وزين العابدين كانت لهما أجهزة أمنية شديدة الوطأة ، نقول ذلك صحيح ولكنها لم تكن عائلية لهذا سقطت بعد المواجهات الأولى مع الشعب.

أخيراً يمكن القول أن تأخر الحسم الثوري السلمي في اليمن تأخر طبيعي ، نتاج العوامل التي سبق الإشارة إليها مجتمعة ،بل يضاف إليها قيام عائلة صالح بالإستعانة كما سربت بعض التقارير الصحفية بخبراء في مواجهة الثورات الشعبية من بعض الدول العربية مثل مصر والعراق وسوريا وقديكون هناك مستشارين من دول أخرى ، ومن ثم المواجهات ضد ثورة الشباب الشعبية السلمية في اليمن تتعاضد فيها الخبرات المحلية والخارجية ، لذا فتفكيك الشبكة العسكرية والأمنية والاجتماعية والسياسية التي كونَّها صالح لتحميه من مثل هذا اليوم تحتاج إلى وقت ، فما بني بتركيز لثلث قرن من الزمان ولازال مستمر حتى الآن ، يحتاج إلى وقت كافي وصبر خاصة في ظل النهج السلمي الذي يلتزم به الثائرين الشباب ، قد يقول البعض الكلفة التي دفعتها ثورة الشباب الشعبية السلمية حتى الآن باهضة وتفوق ما دفعه الشعبين المصري والتونسي ، نقول ذلك صحيح في حال إذا كانت المعطيات السياسية أيضاً مثل مصر وتونس ، ولكن المشهد اليمني يختلف كما سبق الإشارة إليه كونه يقترب من النموذج الليبي ، لذلك عدم السلمية والصبر قد يرفع الكلفة إلى أضعاف ما نشاهده الآن ،ولكن ماهو مؤكد أن صالح سيرحل أخيراً وإن تأخر لبعض الوقت المقاس بزين وحسني ،نرجوه تعالى أن يحمي اليمن من كل مكروه وأن يحقق لشبابه ما يطمحون إليه إنه على ما يشاء قدير.