الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٠٦ مساءً

ثورة التغيير "نصف عام من التحديات والإنجازات"

د . عبد الملك الضرعي
الاربعاء ، ١٠ أغسطس ٢٠١١ الساعة ١١:٠٠ صباحاً
بعد مرور حوالي نصف عام على قيام الشباب اليمني بثورتهم التي جاءت استجابة لمطلب شعبي بالتغيير، ذلك المطلب لا يختلف عليه إثنان ، لأن الحالة السياسية أصبحت في وضع حرج فحوارات ومناورات بين الحاكم والمعارضة هددت بتفجر الوضع الأمني لعدة مرات ، ووضع اقتصادي متأزم حتى أن الدولار في تلك الأشهر ارتفع بشكل غير مسبوق ، وتزايد مستمر لمعدلات البطالة والفقر، وفساد بلاحدود وبرعاية رسمية ، إن تلك الأوضاع كانت معلومة لدى الجميع ، ومن منا لم يكن يسمع في العمل أو الشارع أو في وسائل النقل العامة الشكوى المريرة من الفساد ، وكيف أصبح الفاسدين محصنيين من المسائلة ، كون غالبتهم مسئولين مدنيين ومنتمين في نفس الوقت إلى جهات أمنية ، كل ذلك لاينكره أحد قط ، ولكن ماحدث الآن أن الكثير من الناس تجاهل كل ذلك نتيجة تخويف المجتمع بالبديل المدمر، وبالتالي عندما تذكر أحدهم بما كان يشكومنه سابقاً من الفساد يرد عليك فساد ولا ضياع وخوف وأزمات ، وكأن واقع الحال يقول أن الأزمات في المشتقات النفطية والكهرباء وغيرها آتت أكلها في تخويف الناس من التغيير.

إن مراجعة بسيطة لستة أشهر من الاحتجاجات والمسيرات والاعتصامات يضعنا أمام نتيجة هامة ، تلك النتيجة تؤكد على نجاح شباب التغيير بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، في إحداث تحول سياسي واقتصادي واجتماعي فرض واقعاً جديداً ومأزقاً للسلطة أجبرها على تقديم كثير من التنازلات والقيام أيضاً ببعض المغامرات مثل ما حدث في ساحة الحرية بتعز ، ولكن ماهو مؤكد وعلى الرغم من ركود الثورة الشبابية في الوقت الراهن ، إلاَّ أن إعادة الإمور إلى ما كانت عليه في شهر يناير أصبح خياراً بعيد المنال ، وفعلاً حاولت القوات العسكرية والأمنية الوصول إلى ذلك الخيار خاصة في عدن وتعز ، ولم تتمكن حيث عادت الاعتصامات مرة أخرى إلى الساحات التي تم إخلاءها، بل أن محاولة إخلاء ساحة الحرية بتعز صعدت الأوضاع نتيجة تدخل مجاميع قبلية لحماية المعتصمين ، واصبحت السلطة في تعز تواجه المعتصمين السلميين والجماعات القبلية المسلحة ، بل وبدأت السلطة تتفاوض رسمياً مع القبائل -في محافظة العلم والمدنية- والمتوقع أن تستمر خسائر السلطة المادية والمعنوية في محافظة تعز بسبب الإفراط في قصف الأحياء السكنية المستمر والعشوائي منذ أشهر، والحال ينذر بتصاعد الأوضاع كذلك في منطقة أرحب بمحافظة صنعاء نتيجة القصف الذي أودى بحياة عشرات المدنيين بمختلف الفئات العمرية ، بل أن تمدد الصراع إلى نهم وبني الحارث وهمدان والحيمة وغيرها ستكون له عواقب خطيرة على الأوضاع الأمنية في العاصمة صنعاء.

بالعودة بالذاكرة إلى مطلع شهر فبراير2011م سنجد أن مجموعة بسيطة من الشباب كانت تحاول التعبير عن رفضها للسلطة ، تلك المجموعة كانت ضعيفه لاتجد لها مكاناً واحداً ثابتاً بل كانت تواجه بمطاردة أنصار السلطة في الشوارع والأزقة ، والسلطة كانت ممسكة بزمام الأمور في مختلف المحافظات باستثناء صعدة التي كانت تعاني من ضعف دور الدولة في مناطقها الريفية، ولكن كانت الدولة فيها موجودة ممثلة بالمحافظ والمكاتب التنفيذية والجيش والأمن..الخ، كما أن وزارات الدولة كانت عاملة والحياة شبة مستقرة باستثناء الخلاف السياسي مع أحزاب اللقاء المشترك ، والآن وبعد سته أشهر من ثورة الشباب ، تبدلت الأوضاع بشكل كلي، فالعصيان المدني الذي كان يطالب به الشباب أصبح واقعاً على مستوى مختلف مؤسسات الدولة ، ليس بفعل مباشر من الشباب ولكن نتيجة لتصاعد معطيات ثورة الشباب ، ومؤسسات الدولة أصبحت مشلولة وعاجزة عن ممارسة مهامها الطبيعية ، فالأمن تقريباً لا يعمل فبعد إن كانت العاصمة مثلاً تخلوا من استخدام المفرقعات في الأعراس أصبح استخدام الأسلحة النارية والمفرقعات مألوفاً في حفلات الأعراس وتحولت العاصمة إلى قرية صغيرة يحكمها المشائخ والعقال وغابت الشرطة،وأصبحت شوارع العاصمة المخططة تبنى فيها المساكن الجديدة وكأن البلدية وموظفيها لاوجود لهم ، واصبح سائقي السيارات يرفعون أجور النقل كيفما شأوا وكأن المرور لا وجود له!!!وأشياء كثيرة في حياة السكان وعلاقتهم بمفهوم الدولة تغيرت ، أما في المحافظات الأخرى فمجالس أهلية بدأت تتولى دوربعض أجهزة الدولة في بعض المحافظات الجنوبية ، ومحافظات أخرى مثل تعز أصبحت تقريباً في مواجهات يومية اضعفت كثيراً من وجود الدولة ، واصبحت الدولة موجودة فيها بفعل قوة السلاح لا المشروعية السياسية، ثم تأتي إب تلك المحافظة التي كان عدد مناصري ثورة الشباب حتى شهر مارس بالمئات فقط ، اليوم تتربع على قائمة محافظات الجمهورية في عدد المؤيدين للثورة والمعبر عنها بالجموع التي تشارك في صلاة الجمعة ، ومثلها الحديدة وحجة وغيرها من المحافظات، ومحافظات عدة لم تعد أجهزة الدولة عاملة فيها مثل صعدة والجوف وغيرها ، اليوم تفاقمت الأزمات في المشتقات النفطية والخدمات ومع ذلك عجزت الحكومة وبعد أشهر من الأزمة عن معالجتها ، وبررت فشلها بتبعات ثورة الشباب ، إنها بتحميل الأخرين المسئولية عن تقصيرها في واجباتها الدستورية والقانونية تعلن فشلها في إدارة الدولة.

لقد أدى تأزم الوضع السياسي بعد ثورة الشباب إلى أحداث كبرى لم يكن الشباب طرفاً مباشراً فيها مثل مواجهات الحصبة وحادث جامع النهدين وحروب في عدة مناطق مثل أرحب وأبين ونهم وغيرها ، وفي الجانب السياسي جاءت المبادرة الخليجية التي نصت صراحة على تخلي الرئيس عن السلطة ، وتلك الأحداث جميعها أوجدت وضعاً سياسياً جديداً خدم ثورة الشباب في بعض الجوانب ، وأضر بها في جوانب أخرى ، ولكن بصورة عامة على الرغم من التحديات التي واجهت قوى الثورة والمتمثلة بحشد السلطة الحاكمة لكل إمكانيات الدولة المادية والمعنوية في مواجهة الثورة السلمية ، فالمعادلة السياسية بصورة مجملة وبنتيجتها الحالية تؤكد على الخسائر المستمرة للسلطة مقابل المكاسب المستمرة لقوى الثورة ، فبعد سته أشهر أصبحت شرعية السلطة تستند إلى القوة والإكراه ، قوة المال والسلاح ، بهما يجيش الوفود إلى ميدان السبعين ومخيمات المناصرين ، وبهما تحاول السلطة فرض وجودها في تعز وأرحب ونهم والحيمة وأبين والجوف وعدد من مناطق الجمهورية التي تشهد حروباً مستعرة منذ أشهر، تارة بالتدخل المباشر وتارة أخرى بالعمل الاستخباراتي كما هوالحال في الجوف.
إن صمود الشباب لسته أشهر يأتي في إطار الثورة بمفهومها السلمي ، وحتى لاتنجر الثورة الشبابية إلى مربع العنف ، ولكن هذا الحال لن يستمر إلى مالا نهاية ، فعامل الزمن الذي تراهن عليه السلطة لوأد الثورة ، ليس مضمون النتائج دائماً، لأن منطق التأريخ يؤكد إن الأمور قد تخرج عن سيطرة السلطة أو المعارضة الرسمية في أي لحظة ، وخيار السلمية ربما لن يدوم طويلاً.

أخيراً ندعوا الشرفاء من أبناء هذا الوطن في الحزب الحاكم أو المعارضة إلى عدم الإستهانة بصبر شباب التغيير ، وأنه من غير المعقول أن تعود الامور إلى ما كانت عليه قبل شهر فبراير، وأن شباب الساحات وشيوخها ونسائها وأطفالها لا يمكن أن يعودوا إلى الخلف سته أشهر، خاصة بعد أن تساقط المئات من زملائهم أمام أعينهم دفاعاً عن القضايا التي خرجوا من أجلها ، لذلك لابد من مخرج سياسي للمأزق الراهن ، يبنى ذلك المخرج على عودة السلطة مرة أخرى إلى الشعب ، والشعب يقرر من يحكمه ولمدة أربع سنوات لاتزيد ، وذلك عقب مرحلة انتقالية تُحيَّد فيها كل أجهزة الدولة عن العمل السياسي ، وتتنافس مختلف القوى السياسية بأدواتها السياسية وبرامجها الإنتخابية فقط ، وبدون ذلك فالأوضاع ستكون كارثية ، لذا ندعوا العقلاء في القوات المسلحة والأمن أن ينحازو إلى الوطن ويخرجوه من المأزق الحالي ، وندعوا العقلاء في المؤتمر الشعبي الحاكم إلى القبول بخيار المرحلة الإنتقالية ، لأن التشبث بالسلطة خطر يهدد مستقبل اليمن ووحدته وأمنه ، نرجوه تعالى أن يولي علينا خيارنا ويصرف عنا الأشرارإنه على مايشاء قدير.