الرئيسية / كتابات وآراء / سيد قطب.. "جدلاً" لا ينتهي..!

سيد قطب.. "جدلاً" لا ينتهي..!

محمد المياحي
الثلاثاء , 30 أغسطس 2016 الساعة 08:59 صباحا
سيد قطب الايقونة الفكرية الملحمية التي أثارت جدلاً ممتدا منذ ما يقارب 60عاما واكثر، لا احد ينفي عبقرية الرجل وجاذبية فكره وحيويته وتوقد روحه، لقد احدث ضجيجا كبيرا لم يتوقف صداه حتى اللحظة، وانقسم الناس ما بين منبهر بكل كتبه ومعجب بشدة بفكر الرجل وبين معارض بحقد يرفض بسذاجة كل الانتاج الادبي والفكري والفلسفي للرجل، ووقعنا في الازمة الكبري التي تعصف بالعقل العربي منذ قرون من الزمان، أزمة التلقيّ والقراءة العقلية النظيفة لكل من نختلف معه، فان كان الرجل.ينتمي الى تيارنا دافعنا بجنون عنه ، وان كان في جهة معاكسة اشبعناه تهماً وشيطنة وحقدا وكذبا، وبين هاتين القراءتين سقطت الحقيقة الصافية عن تاريخ الرجل وفكره...
كانت أولى علاقتي بفكر سيد قطب منذ 5اعوام تقريبا قرأت فيه جزءا من تفسير الظلال، وكتاب خصائص التصور الاسلامي ومقوماته، وكتاب التصوير الفني لمشاهد القيامة في القرآن الكريم، والكتاب المثير للجدل معالم في الطريق وكتيب صغير بعنوان اضواء من بعيد ، لحظتها لم اكن اعلم شيئا عن الغبار الكثيف الذي يثار حول الرجل ، ولا عن خصوبة كتبه وثراءها، وكان اول من فتح لي الطريق نحو كتب الرجل؛ الانتطام في حلقات التربية لدى الاخوان ...
◾يعد سيد قطب المرجعية النظرية والفلسفية لحركة الاخوان وكثير من الحركات الجهادية، التي استغلت بعض العنف النطري الموجود في كتبه كمسوغ لنزوعها الجهادي ذو الاسباب العملية، ويعترف الكثير من مفكري الحركة الاسلامية ان تنطيرات سيد قطب سيطرت على سلوك الجماعة منذ عقد الستينيات وحتى الثمانينيات، بعدها استطاعت حركة الاخوان التحرر الجزئي من فكر سيد قطب، واعني بالجزئي هنا تلك الافكار التي تدعو الى القطيعة مع الجمهور العامي وتنعت العالم بالجاهلية، وتقسم المجتمعات الى فسطاطين خير وشر، مع دعوى امتلاكه للخير والحق المطلق وان الاخرين هم الشر والضلال المبين، ويستدعي سيد قطب في كتابه معالم في الطريق الاية التي تقول : \"فماذا بعد الحق الا الضلال المبين \" ليؤكد فكرته السابقة حول ان طريق الحق احادي وكل ما سواه باطل...
صديقي يقول ان سيد قطب هو رأس الارهاب، همست في اذنه ما هي الكتب التي قرأتها للرجل؟ وكانت المفارقة الكوميدية ان الرجل لا يعرف شيئا عن سيد قطب، عدا عن منشورات دكتور اللغة في كلية الاعلام رصين الرصين حول سيد قطب، اما رصين هذا فمصروع بسيد قطب، يصحو ويكتب حول نظرية الحاكمية وكيف انها سبب التفجيرات التي حدثت في باريس، يذهب الى الكلية ليوزع التهم على كل من يعارضه بأنه متورط بفكر سيد قطب، واذا حدث ان تعثر بحجر في الطريق يوجه سبابته نحو كتاب معالم في الطريق ، ما من يوم يمر الا وتجد منشورا في صفحته يشير من قريب او بعيد الى محنته الكبرى المتمثلة في \"سيد قطب\"، هذا التحامل الشديد حول فكر الرجل يعكس خيال مريض مشحون بعدائية تاريخية، لا ترى في سيد قطب سوى فيلسوف شيطان ومنظر جهنمي للموت، ناسية عن جهل او تتجاهل عمدا الصرح الفكري الكبير والمشرق للرجل، ونقده للتراث الاسلامي، والبناء المفاهيمي المضيء الذي جاء به لشرح الديانة الاسلامية، وتكتفي بالنظر الى الرجل من ثقب صغير وتختزله في فكرة واحده، لا تعدو عن كونها زلة طفيفة نتجت تحت سياط التعذيب، ومرارة الاذلال في السجون...
◾ملاحظة : بلغت الكتب التي أُلفت حول سيد قطب اكثر من 50 كتاباً، وهي بالمناسة اكثر من الكتب التي ألفها سيد قطب نفسه، والتي لا تتجاوز ثلاثة عشر كتابا، وهذا مؤشر على حجم المعارك الفكرية التي اشعلها الرجل، نظرا لمتانة الطرح الذي
اتى به، وعمق تشريحه لقضايا الوجود الكبرى، والمسائل الاخلاقية الحاكمة للانسان، وتنطم علاقته بالكون وخالق الكون والانسان الاخر ..
نحن اليوم في الذكرى الخمسين لاعدام عملاق الفكر واجدنا بحاجة ملحة لانصاف الرجل ، والاقتراب من كتبه بحس دقيق، ونوايا مجردة ونزعة معرفية خالصة لقراءته مجددا بعيدا عن الاحكام المسبقة والمعلبة ذات الاغراض السياسية الحقيرة، بالمدرسة الاشتراكية العلمانية القومية اغرقت الرجل في التهم حد وصفه بالماسونية، وفي الاتجاه الاخر يستميت بعض الاخوان في الدفاع الاعمى
عن فكر سيد قطب ونفي التهم الموجهة اليه كلياً، واعتباره ملكاً لا يسهو ونبي معصوم..