الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٠٥ صباحاً

تعزغراد، بعد ألف معركة

مروان الغفوري
الأحد ، ٢١ أغسطس ٢٠١٦ الساعة ٠٩:٥٦ مساءً
بدأت معركة تحرير تعز من حي صغير في المدينة. في تلك الأثناء حشد صالح والحوثي قوات مكافحة الإرهاب، الحرس الجمهوري، اللواء 35 بكل تفريعاته، الأمن المركزي، القوات الخاصة، معسكر العروس، ميليشيات المؤتمر الشعبي العام، الميليشيات الحوثية في تعز، الميليشيات الحوثية القادمة من الشمال، مسلحي ومرتزقة القبائل، شبكات اتصالات وإمداد، شبكات لوجستية، كتائب حوثية متخصصة: كتائب الحسين، على سبيل المثال .. إلخ.
في تلك الأيام سألت رشاد الشرعبي، وكان ناطقاً باسم المقاومة:
كيف الوضع يا رشاد، طمني.
قال رشاد إن عدد المقاومين لا تجاوز 500 شاب!
كانت معركة غير متكافئة.
ثم بدأت تعز طريقها الطويل نحو الحرية. دعوني أقتبس عنواناً لمانديلا: الطريق الطويل نحو الحرية.
شارع فشارع، حارة فحارة، مبنى فمبنى.
كانوا في شارع جمال، وفي مبنى التربية، ثم خرجوا. كانوا في مدرستي، مدرسة 26 سبتمبر، وخرجوا.
حررت المدينة بالذراع، وبالمتر:
من صينة، من المرور، من القلعة، من الدائري، من الدحي، من البريد، من حوض الأشراف، من فندق الإخوة..
تتذكرون معارك "دبابة البريد وفندق الإخوة"؟ أسابيع طويلة.
كانت المقاومة تتزايد، تكبر، تتعملق، وكانت القبائل ترفد جيوش صالح والحوثي. فث يمنتصف المعركة نقل صالح معسكراته البعيدة من صنعاء ومن الحديدة، اللواء العاشرة جاء إلى المعركة في أوجها..
عشرات آلاف القذائف على مدينة صغيرة، لكنها قاومت. اقترب عدد الجرحى من عشرين ألف. في منتصف المعركة أغلق الإخوة الجنوبيون طريق عدن، ومنعوا الجرحى من دخول الجنوب، ومنع الحوثيين جرحى تعز من مغادرتها. معارك مشتعلة. اشتعلت صبر. معارك صبر، مشرعة وحدنان، الضباب، حدائق الصالح، السجن المركزي، معارك الجامعة، حبيل سلمان، معارك عصيفرة، معارك كلابة، معارك المستشفى الجمهوري، حارة الجمهوري، معارك العسكري، معارك الكمب، معارك الأمن المركزي، معارك القصر الجمهوري، معارك كلية الطب. معارك المسراخ، الصراري، نجد قسيم، جبل حبشي، الشمايتين. تحررت تعز في ألف معركة، وكل معركة كانت تقتل فيها الملك الأحمق والمخلوع معاً، ثم تقتلهما في المعركة التالية. لقد أوسعها جراحاً وأوسعتهم قتلاً.
كانت مقاومة تعز تحرر المدينة بدبابة واحدة. بدبابة واحدة ووحيدة هرب بها جندي بطل من معسكر اللواء ٣٥ والتحق بالمقاومة، ذلك الجندي الوحيد هو الذي حفظ شرف الجندية، وشرف الجيش، ويبدو أنه سقط شهيداً فيما بعد..
متراً متراً، وذراعاً ذراعاً.
في الطريق إلى صنعاء التقت التوابيت الصاعدة والحشود النازلة، لم يوفروا شيئاً. نزل أبو علي الحاكم شخصياً وأدار المعركة، أما صالح فجعل معركة تعز آخر معاركه وأخطرها. إلا تعز، فهو يعرف معنى أن تصير حرة. تعز مدينة كل اليمنيين، ولن تترك اليمنيين رهائن للخاطفين، ستذهب إليهم في كل مكان، وتلك هي الحقيقة التي يدركها صالح.
التحق الآلاف بالمقاومة، نزف جبل حبشي مئات الشهداء، وكذلك جبل صبر. انتصر صبر، وطرد الجيوش والعصابات واستعاد أعلى قمة في تعز. قاومت الوازعية، هزمت مرة وانتصرت عشرات المرات، صمد كل جزء في المدينة، وكل أسرة، وكل جريح. لم يمض سوى وقت قصير حتى كانت المقاومة شأناً أسرياً، تعنى به كل أسرة..
أين ذهبت الجيوش، الحرس الجمهوري، الألوية، الكتائب، القبائل، الحوثيون، المتحوثون؟
كل أولئك انهزموا بالحركة البطيئة، انهمزموا على مدى ما يقرب من عشرين شهراً، انهزموا بالتقطير. الآن، انظروا، بقيت تجمعات مختبئة على سلسلة من التباب والمرتفعات عند مداخل مدينة تعز.
خاضت تعز معركة إلهية على كل شبر، ودفعت ثمناً باهضاً، باهضاً، باهضاً..
العمال الذين فقدوا مصادر دخلهم
الطلبة الذين خسروا عاملين دراسيين
التلاميذ الذين دمرت مدارسهم
المنازل المهدمة
البنية التحتية المحطمة
آلاف الجرحى والشهداء
المقابر التي حفرت في كل القرى
وبقيت القيم الكبيرة المطلقة حية، وخصبة، وصافية:
اليمن، الجمهورية، الحرية، التنوع، العدالة الاجتماعية، الإبداع، والحق في القول كما الحق في العيش..
لكي تصل تعز إلى هذا اليوم فقد خاضت ألف معركة
يا له من نصر
ألف حمداً على سلامتك يا مدينة تعز،
يا جمهورية الطيبين والأحرار
يا مأوى الأفئدة،
ويا صديقة كل اليمنيين

* من حائط الكاتب على موقع "فيسبوك"