الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٣٧ مساءً

عدن صقلتها الحروب والكوارث

د.ياسين سعيد نعمان
الاربعاء ، ٠٨ ابريل ٢٠١٥ الساعة ٠١:١٠ صباحاً
1/ في منشور سابق منذ أيام قلنا إن خيط الدم الذي رسمت مجراه حرب1994يلتقي مع نهر الدم الذي سال بعد ذلك في معظم أنحاء اليمن ويسيل الآن في عدن الباسلة على ذلك النحو الذي لم يترك أي مجال للشك بأن عدن كانت هي المستهدفة من قبل الذين خططوا لكل هذه الحروب وأشعلوها في أرض الواقع .

2/ لم تكن المسألة مجرد صدفة ، فوراء هذه الحروب تكمن أهداف كبرى تتمثل في سحق فكرة الدولة المدنية بصورة نهائية وعدن الباسلة هي قلب الدولة المدنية وعقلها وتعز الملاصقة لها هي روح هذه الدولة .

فضحت تعز المخطط وتصدت له بطريقتها فجرى سحقها وتمسك شبابها بمقاومة الحرب وقدموا التضحيات الكبيرة . وكانت عدن وبالصورة التي ظهر بها شبابها وأهلها الأبطال نموذجا للمقاومة الباسلة ، وكذلك كانت الضالع الأبية .

3/ عندما قلنا ذلك كنا ندرك أن صناع الحروب ومشعلوها لا يتركون لأنفسهم شيئا ذا قيمة يحملهم إلى مستقبل آمن ، فهم يدمرون كل الجسور مع هذا المستقبل ، ثم يتخبطون في نتائج حروبهم غير قادرين على مغادرتها .. والحال هو ما نشاهده اليوم من عبث وتدمير وانهيارات .

4/ تم بذل جهود كبيرة لتفادي الحرب عام 2011وذهب الجميع إلى تسوية سياسية وضعت اليمن على مشارف عهد جديد من التفكير المستقل عن منهج القوة والحروب .. غرد كثيرون خارج هذه الحقيقة ، وطالبوا بالحسم العسكري ، وهم أنفسهم بعد ذلك الذين أشبعوا الدنيا طنينا بالشكوى من الحروب ويريدون الآن تحميل الآخرين مسئولية مغامراتهم وفهلوتهم التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه ، وهم أنفسهم اليوم الذين يزايدون على الآخرين ويمثلون دور النائحة المستأجرة لما يجري في عدن .

النائحة المستأجرة لا يربطها بأهل المأتم أي رابطة للحزن سوى أن المطلوب منها هو ضجيجها وولولتها ثم تأخذ أجرتها وتمشي .

5/ كان كل أصحاب السلاح قد حطموا الجسور مع المستقبل الآمن ، وكما قلنا، لم يحتفظوا لأنفسهم بشيئ ذا قيمة يحملهم إلى المستقبل غير ذاكرة مفعمة بعدم الثقة والثأر والانتقام . ثم جاء الحوثيون في ظل هذه الظروف إلى ساحة مفتوحة على خيارات لا يربطها بهذا المستقبل الآمن سوى وثيقة الحوار غير المدعومة بقوة تحميها أو مسندة بإرادة قادة أوفياء لمشروعهم المدني التاريخي . جاءوا محمولين بقوة جمعوها من خلال الشروط التي وفرتها لهم خصومات حلفاء 1994وما خلفوه من دولة متهالكة خاوية بلا محتوى وطني يؤهلها للدفاع حتى عن نفسها لتبدأ دورة جديدة من البحث عن أسباب إضافية لإشعال حرب شاملة أخرى .

6 / اشتعلت حروب الثارات والانتقام وكسر العظم . وفي مسارات تصفية الحسابات بين فرقاء 1994على كافة الأصعدة لعب الحوثيون أحيانا كثيرة دور حصان طروادة الذي كان يختبئ في جوفه أصحاب الثارات ويقتحمون المدن والمحافظات ويتجهون نحو خصوم الحكم القديم ولم يكتشفوا أن خصومه كثيرون ، وأنهم هم أنفسهم مشمولين بهذه الخصومة .

وعلى درب هذه المسيرة الانتقامية الجهولة التي حركتها عوامل كثيرة وحسابات ستكشفها الأيام ، ولو بعد حين ، اتجهت مسيرة الانتقام نحو عدن ، فخاطبت الحوثيين في منشور سابق وقلت لهم بالحرف الواحد ( الذين ذهبوا الى الحروب في محطات مختلفة من تاريخ هذا البلد علقوا في نتائجها الدموية يفتشون دوما عما يوصلهم بخيط الدم الذين لا يستطيعون أن يحددوا مساراتهم بدونه .. لقد نبهتكم الحالمة بطريقتها الحضارية إلى الخطأ القاتل الذي ترتكبونه وانتم تتجهون جنوبا في هذه اللحظة الحاسمة لكنكم للأسف تصرون على السير في طريق الخطأ لذي سار عليه أولئك الذين تولوا مسئولية توريطكم في هذه الحرب من جديد ...التي لن تكون نتائجها في نهاية المطاف سوى بعضا من نفاياته التي سيفرزها التاريخ كواحدة من أسوأ ما صنعته القوة المغامرة ) .

7/ فوجئ الجمع بأن عدن قد صقلتها الحروب والكوارث ، وأن شبابها الذين توسدوا الحارات والشوارع في أسوأ إهمال يمارسه نظام سياسي مختل قد أعادوا اكتشاف أصالة هذه المدينة التاريخية فامتزجت بروحهم الوثابة التي مكنتهم من التصدي والمقاومة التي لا يجوز اليوم لأي قوة أو حزب أو جماعة أن تنسبها لنفسها ..ستخرج عدن من تحت الأنقاض كما خرجت مدن عظيمة في التاريخ لتصنع مستقبلها بأيدي أبنائها ، وسيتحمل الجمع الذي دمرها مسئولية تدميرها إلى يوم الدين ، أرأيتم يا "أنصار الله" كيف أن الذين دمروا عدن عام94 وعملوا على إذلالها بعد ذلك قد ورطوكم واستدرجوكم إلى نفس الفخ ومعها هواجس الهيمنة الإيرانية ، فلن يجد هؤلاء فرصة للعودة إلى الحكم على شاصكم وسينقلبون عليكم إذا لم يكونوا قد انقلبوا ، ولن تكون إيران المتحررة من الحصار الدولي هي نفس إيران المحاصرة .

فبينما كانت إيران المحاصرة في حاجة ماسة إلى تحالفات إقليمية عسكرية صدامية لخلط الأوراق وكسب المزيد من هذه الأوراق لتعزيز موقفها في المفاوضات الدولية ، فإنها بعد الحصار ستتفرغ للبناء الاقتصادي الذي انتظره شعبها طويلا ولن تستطيع بعد اليوم أن تسوق لشعبها المزيد من الجرعات الثورية ... وهذا يعني أن التحالفات الاقليمية يجب أن تخرج من دائرة الركون على الشحن الطائفي البغيض والاعتراف بأن الصراع بين الأمم وبين قواها الداخلية هو صراع سياسي واجتماعي بالدرجة الرئيسية .

8/ ومثلما هدم السابقون في حرب94 جسورهم مع المستقبل الآمن فإن الوافدين الجدد إلى ساحتها والمحمولين بأهداف متنوعة لجميع هؤلاء يكونون بهذه الحرب (2015) والدماء التي سالت والمدن التي هدمت والأعماق التي زرعت حقدا وكراهية قد هدموا جسورهم أيضا نحو المستقبل الآمن ، غير أن الفرق بالنسبة للحوثيين هو أنهم في وضع أكثر حرجا من غيرهم بعد أن استطاع خصومهم أن يرموا في وجههم بورقة الطائفية ليخوضوا معاركهم في تجاويفها الخبيثة لأنهم لم يستطيعوا ن يقدموا مشروعهم السياسي بعد أن أغرقوا أنفسهم وأغرقهم حلفاؤهم في مستنقع الحروب والاستقطابات الإقليمية وسط بيئة قابلة للشحن الطائفي ، وكانت عدن ومعها تعز وبعض حاضرات اليمن الأخرى ترفض هذا الخطاب وتدينه ، لكن للأسف ... ما الذي نستطيع أن نقوله الآن بعد أن وصلت المأساة إلى كل بيت في هذه المدينة الغالية .

9/ لا نريد أن نغلق الفرصة على هذا الوطن الجريح بتصحيح مساره نحو المستقبل الآمن من جديد ، ويتوقف الجميع عند هذا المستوى من التدمير ، ويعودوا إلى طاولة الحوار ويستثنى من ذلك المتسببون في إشعال الحرب ممن جعلوا منها وسيلة للعودة إلى الحكم ، وأن تكون القوى التي دافعت عن الجنوب وعدن على وجه الخصوص هي من يتواجد على الطاولة مع بقية القوى الأخرى ، وقبل ذلك على أنصار الله أن يتوقفوا فورا عن قمع القوى السياسي وخاصة الإصلاح الذي نقف معه ونستنكر ما يتعرض له من حملات ، لقد خضنا معه ثورة التغيير وكان شبابه في مقدمة من قدم التضحية في تلك المعركة التاريخية ، ولا يعني اختلافنا معهم بعد ذلك حول منهج إدارة العملية السياسية سوى أن كل منا كان له خطابه تجاه وقائع الحياة وأحداثها المتلاحقة .