يبدو أن رقعة الاحتجاجات ضد الحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء، آخذة في التوسع بعد أن تضاعفت معاناة موظفي قطاعات الدولة مع توقف مرتباتهم الشهرية لأكثر من ثلاثة أشهر، وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة في البلد الذي تعصف به الحرب منذ ما يزيد عن 20 شهراً.
وبات الحوثيون يواجهون مأزقا اقتصاديا في تمويل حربهم، بعد أن نقلت الحكومة الشرعية مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء الخاضعة لسيطرتهم إلى العاصمة المؤقتة عدن، رغم استحواذهم على 1.8 مليار دولار من خلال سحوبات غير قانونية ونهب الاحتياطي الخارجي البالغ نحو 5.2 مليارات دولار، لم يتبق منها سوى 700 مليون دولار، وفقاً لما قاله محافظ البنك المركزي الجديد منصر القعيطي.
وكان رئيس الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر أعلن الأحد، اختفاء السيولة النقدية بصورة مفاجئة من فرعي البنك المركزي في صنعاء والحديدة؛ ما أعجز فرع صنعاء عن تسديد مرتبات الموظفين.
وقال بن دغر إن “الاحتجاجات والمسيرات والاعتصامات التي يعبر عنها الجنود والموظفون ويمتد أثرها إلى وعي الناس وسلوكهم، لا يمكن وأدها بالعنف وقوة السلاح، وأن على الحوثيين أن يدركوا أنهم لا يستطيعون منع الجماهير من التعبير عن مواقفها، أو القبول والخنوع لسلطتهم وباطل حكمهم ، وأن عليهم أن يتعظوا بغيرهم قبل فوات الأوان”.
احتجاجات موظفي الدولة
وشهدت العاصمة صنعاء خلال الأيام الماضية، احتجاجات لموظفي الدولة بشقيها العسكري والمدني، حملت شعار “الراتب مطلبنا”، نتيجة توقف مرتباتهم لثلاثة أشهر، يتهم المحتجون فيها الجماعة الحوثية بنهب مستحقاتهم وتوظيفها في المجهود الحربي، فرقتها الأخيرة بالرصاص الحيّ والاعتقالات.
وامتدت الاحتجاجات مرورا بنادي القضاة اليمنيين، بعد الاعتداءات التي مورست بحقهم أثناء احتجاجهم الأول وصولاً إلى جامعة صنعاء، التي عقدت هيئة التدريس فيها اجتماعاً يناقش البرنامج الاحتجاجي للمطالبة بصرف الرواتب المتأخرة، وعملية التصعيد بعد الاعتداء الذي نفذه مسلحون حوثيون ضد أساتذة الجامعة واعتقال عدد من الموظفين.
اعتداءات الحوثيين
غير أن الحوثيين المسيطرين على المؤسسات التعليمة إلى جانب بقية مؤسسات الدولة بصنعاء، اعتدوا على النقابة مرة أخرى الأحد، في مبنى الجامعة وبحضور رئيس الجامعة المُكلّف من قبلهم، بعد مرور 24 ساعة فقط من الاعتداء الأول.
وبحسب شهود عيان، فإن أحد المسلحين الحوثيين حاول طعن رئيس الهيئة الإدارية للنقابة محمد الظاهري، واعتدى آخرون على ثلاث من زميلات الظاهري في النقابة.
واتهم الحوثيون حزب التجمع اليمني للإصلاح، بالإيعاز إلى عناصره بعمل اختلالات أمنية عن طريق الدعوة إلى عمل وقفات احتجاجية وإضرابات عن العمل، قبل أن يقوموا بتزوير ورقة رسمية صادرة من مكتب الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، يزعمون فيها أن المدير السابق لمكتب هادي محمد مارم، يدعو فيها الأحزاب في المناطق الشمالية إلى دفع الشعب نحو عصيان شامل، لكن سرعان ما اكتشفت حيلتهم لأن الرئيس عين مارم سفيراً لليمن في مصر قبل تاريخ الوثيقة المزورة بأربعة أيام، وفق ناشطين يمنيين.
واستنكر رئيس الهيئة الإدارية للنقابة محمد الظاهري “محاولة تسييس والصاق تهم الحزبية بالمطالب الحقوقية لأعضاء هيئة التدريس والسعي لمحاولة تجريم المطالب النقابية الحقوقية”.
وقال “جامعتنا حصننا المنيع، نجوع ولا نبيع وننتزع حقوقنا ولن نجبن، ولن نساوم ولن نطيع، قضية الراتب هي حق مقابل العمل ولا عمل دون راتب، والراتب استحقاق لا يخضع للمساومة”.
دور محوري لجامعة صنعاء
ولعبت جامعة صنعاء، دوراً بارزاً إبان “الثورة الشبابية” التي أطاحت بنظام حكم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، في 2011، حيث انطلقت أولى التظاهرات من داخل حرم الجامعة في منتصف يناير/ كانون الثاني، لتفتح ذراعيها لاحقاً لانضمام عامة الشعب والقوى السياسية المعارضة.
ويعتقد ناشطون يمنيون أن جامعة صنعاء تستعيد دورها الريادي من جديد في إيقاد الثورات ضد الظلم والاستبداد، من خلال إيقاد نيران الاحتجاجات التي ربما تستعيد الزخم الجماهيري وتتمكن من الإطاحة بـالميليشيات الحوثية وسلطات الأمر الواقع.
ورأى رئيس المركز العربي للدراسات والتنمية السياسية نبيل البكيري أن “دور جامعة صنعاء محوري ورئيس في أي هبّة أو ثورة قد تنفجر في أي لحظة، طالما أن الحكومة الشرعية تقدم نموذجاً جيداً في المناطق الخاضعة لسيطرتها”.
وقال البكيري إن “الخناق الاقتصادي والحصار كلما ضاق على سلطة الأمر الواقع الانقلابية، قدمت المناطق المحررة نموذجاً طيباً بالأمن والاستقرار والخدمات، إذ يؤدي ذلك إلى إشعال وقود ثورة ليس فقط في جامعة صنعاء، إنما في كل المناطق الخاضعة لسيطرة الانقلابيين”.
وعن التعامل القمعي من قبل الحوثيين ضد رفقاء الثورة الشبابية، اعتبر البكيري أن ذلك”أمر طبيعي من سلطة غير شرعية أتت بقوة السلاح، وتريد الاستمرار من خلال استخدام السلاح أيضاً”.
سخرية من الحوثيين
من جهته، سخر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة فيصل الحذيفي، من الحوثيين باعتبار التظاهر حصراً لهم فقط. وقال الحذيفي إن “الحوثيين اجتمعوا وتظاهروا حول صنعاء بالسلاح في 2014، ولم يمنعهم أحد أو يعاتبهم، على الرغم من انقلابهم على الإجماع الوطني وسبب التظاهر السخيف والمخجل الذي أدّى لنتائج كارثية”.
وأضاف الحذيفي بقوله “بعد أن أسقطوا الدولة وأشعلوا حرباً داخلية ضد الإنسان اليمني، واستدعوا حرباً خارجية ضد اليمن، وسرقوا الرواتب لمدة 3 أشهر، يطلبون من الناس الصمود!.
وعندما خرج أساتذة جامعة صنعاء اليوم للتظاهر السلمي حاولوا طعن الدكتور الظاهري واعتدوا بالعنف على المتظاهرين السلميين، إنهم يؤسسون لحرب إبادة ضد أنفسهم، مستقبلاً، وتهجير قسري يستهدفهم”.