في أول رسالة له بعد اعلانه توليه قيادة القاعدة في اليمن أبو بصير يكشف تفاصيل عملية هروبه ورفاقه من سجن الأمن السياسي بطريقة ميتافيزيقية تعتمد كلها على عون الله وتفيقه ويهددد من عذبهم بالتصفية
يمن برس ـ صحيفة الغد :
كان الحدث كبيراً، ومدوياً في معطياته وتفاصيله ونتائجه.. يومها دوت صفارات الاستنفار في جميع أجهزة الأمن اليمنية، وامتدّ دويها إلى أجهزة استخبارات في دول مجاورة وبعيدة..
كان الوقت فجر يوم الجمعة الرابع من شهر محرم 1427 هجرية، الثالث من شباط (فبراير) 2006م، حين تمكن (23) معتقلاً من أهم عناصر تنظيم "القاعدة" في اليمن من الهروب، من تحت أسوار معتقل جهاز الأمن السياسي (الاستخبارات) الأكثر تحصيناً ورهبة، عبر نفق أرضي حفروه بأيديهم، ليغدوا منذ ساعات على الهروب أحراراً لا يدري أحدٌ أين وجهتهم..
تعددت الروايات وكثرت التكهنات، وليس منها سندٌ ينتهي إلى أيٍّ من أفراد المجموعة، الذين قضى بعضهم نحبه، وسلم بعضهم نفسه مقابل تأمينه، فيما لا يزال البعض حتى اللحظة مطلوباً أمنياً.. ومن هؤلاء (أبو بصير) صاحب الرواية المنسوبة إليه والتي تنشرها "الغـد" في عددها اليوم.
كيف جاءت الفكرة؟، مَن صاحبها؟، كيف جرى التخطيط، كيف تم الاتفاق عليها؟، مراحل التنفيذ، إمكانيات العمل، مخاوف الفشل، إرهاصات النجاح.. وغيره!!
قصص و"كرامات"ووقائع وأحداث يرويها ناصر عبدالكريم عبدالله الوحيشي (أبو بصير ) السكرتير الشخصي (سابقاً) لأسامة بن لادن زعيم تنظيم "القاعدة"، في رسالة حصلت عليها (الغد) منسوبةً إليه، تنشرها كما جاءت، عدا تصرف يسير في مقدمتها وخاتمتها تسهيلاً للقارئ أو تجنباً لمحظورات النشر..
في مقدمة رسالته تحدث أبو بصير عن "الصراع بين الكفر والإيمان"، والموقف من "حكام المسلمين حيث وصفهم (بالطواغيت الظالمين المتعاونين مع الصليبيين")، حسب مضمون الرسالة، متهماً "الحكم" في اليمن بـ"الوقوف مع الصليبيين في حملتهم على المسلمين، وإمدادهم "بالنفط وفتح المطارات والممرات البحرية للجيش الأمريكي ومنع المجاهدين من إنقاذ إخوانهم في العراق"، "وتحكيمه للقوانين الكفرية"، متحدثاً عن دوافع الهروب من السجن، وأهمها تعرضهم للتعذيب والإهانة ومنع الزيارات عنهم واستمرار اعتقالهم من دون محاكمات، وغير ذلك..
وفي مقدمة الرسالة أيضاً قال (أبو بصير) عن نفسه إنه مكث "في السجن ثلاث سنوات بدون تهمة، سوى أنني ذهبت إلى أفغانستان وشرفني الله وكنت مرافقاً مع الشيخ أسامة بن لادن، وأمراء الجهاد"، وإنه كان يوجد معه في السجن مئات من الشباب "لا يشملنا القانون الكافر، ولا ينظر في قضايانا مجلسهم النيابي الشركي ولا قضاؤهم الذي نبذ الشريعة الإسلامية ، وانسلخ من الرحمة"، ووصف الشباب المعتقلين بأنهم "نخبة الشعب اليمني ومن أبناء القبائل الأصيلة، حملوا راية التغيير، وصبروا على الأذى في سبيل رفع الظلم عن الشعب المضطهد الذي يتاجر حكامُه بمعاناته لينعم بها الأمريكان"، وسرد (أبو بصير) أسماء عدد من رفاقه الذين قال إنهم تعرضوا للتعذيب الجسدي، منهم غالب الزايدي الذي قال إنه "سلم نفسه في وجه الرئيس وغدر به وسجنه" حسب الرسالة، و"الشاب الصغير الزبير المخلافي"، الذي جاء أنهم "ضربوه حتى أصابوه بانزلاق في ظهره، وربما يصاب بشلل ولم يعالجوه إلى اليوم ولا يزال في السجن"، كما ذكر أسماء ضباط وشخصيات في الأمن السياسي، وأجهزة الدولة، رأينا في جريدة (الغد) بأن التعاطي مع الأسماء لا يتفق وقواعد النشر..
وتطرقت رسالة (أبي بصير) لظروف السجن، وما يتلقونه من غذاء قال إنه "غير صالح لاستخدام البشر)، و"ماء ملوث من دورة المياه، مما أصاب السجناء بمرض الكلى وأمراض الأمبيبيا وغيرها"، وتناولت الرسالة إقدام الأمن على "سجن أقارب المعتقلين، بدون ذنب"، و"محاولة الضغط على بعض المعتقلين للعمل لصالح المخابرات"، "والسماح لضباط أميركيين بالتحقيق معهم"..
ويتلخص دافع الهروب ـ كما جاء في مقدمة رسالة (أبي بصير) الذي لايزال ملاحقاً ومطلوباً لأجهزة الأمن، ـ بتولد إيمان عميق لدى الفارين بضرورة الهروب من الظلم الذي تعرضوا له، انطلاقاً من حق المسلم في المقاومة وعدم الاستسلام للهوان، مادام هناك وسيلة وإن كانت ضعيفة، أو بصيص أمل في النجاة..
أما خاتمة الرسالة فإنها تركزت حول سرد (أبي بصير) لما وصفها بـ"الكرامات"، التي يقول إن الله أنجاهم بها...نترك الحديث لأبي بصير...
بداية الفكرة
كانت فكرة الحفر تراود أذهان أكثرنا وسمعنا في الأخبار أن الأخوة في العراق في (أبو غريب) حفروا في المعتقل لكنهم كشفوا، فزاد الأمر توثيقاً لدينا وبدأت الفكرة تخرج إلى النور وكانت أولاً بين اثنين ثم ثلاثة وكثر النقاش ثم طلب من الأخوة الكتمان،وانتهى النقاش. وكان أكثر الأخوة رأوا (في المنام) أنهم يهربون من السجن بطريقة عجيبة وبعضهم رأى الحفر وتكررت الرؤى فاستبشرنا خيراً لأن الرؤيا جزء من النبوة ولسنا هنا في مقام بسط الكلام على الرؤيا وشرعيتها أو عدمها ونحن نؤمن أنها مبشرات كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فاشتدت العزيمة.
وكان الذي طرح الفكرة للنقاش الأخ/ حزام مجلي ثم نزلنا تحت، وكان من صنع الله لنا أن جمعنا في نفس المكان الذي يصلح للحفر وظروف المكان مهيأة فقد كان المكان الوحيد (المناسب) هو دورة مياه داخلية مطلة على الشارع والمسجد، وخلفه الشماسي ( المكان الذي نخرج للشمس فيه ) وكان عبارة عن غرفتين وثلاثة حمامات.
بدأنا طرح الفكرة أولاً على الإخوة الذين عليهم أحكام سواءً إعدام أو مدد طويلة وكان ذلك في شهر رمضان في بدايته فكنا نخرج إلى الشماسي ونقيس المسافة من غرفتنا إلى سور السجن الخارجي ونقدرها بعشرين متراً وبعضنا قدرها خمسة عشر متراً ومن السور الخارجي إلى المسجد عشرة أمتار، فكان التقدير ثلاثين إلى خمسة وثلاثين متراً هي المسافة المقدرة للحفر ومع طرح الفكرة نطرح الإمكانيات المتاحة لدينا وكذلك الإمكانيات للعمل وأين نضع التراب وكيف نفتح البلاط ثم ماذا تحت البلاط وكيف نعرف الاتجاه وغير ذلك...
تصريف التراب وأدوات الحفر
ثم اتفقنا أن نخلط التراب مع الماء حتى يصير سهل التصريف ثم نصبه في المرحاض، وإذا صادفنا حجارة كبيرة نحفر لها تحت ونصرف التراب (أي داخل النفق)، وكانت فكرة فتح البلاط بملعقة الطعام والمطبقية (التي يأتي الأهالي بالطعام فيها) وكان معنا أيضاً بعض العصي تبع الشفاط ومنظف دورة المياه.
وكذلك كنا مقدرين أن ينجح التصريف في المرحاض ونرجع البلاط على ما كان عليه وقت التفتيش إذا حدث فجأة.. كان هذا تقديرنا.
وكنا نتناقش طيلة شهر رمضان وأجمعنا أمرنا على الحفر وفجأة جاء خبر إعدام الشيخ الشهيد علي جار الله ومصادقة حكم الإعدام، فأزعجنا ذلك كثيراً، فذهب بعض الشباب إلى مدير السجن وهم جمال البدوي وقاسم الريمي وفوزي الوجيه وطلبوا مقابلة غالب القمش وتكلموا مع مدير السجن أنه يجب ألا تعدموا الأخ علي جار الله ويكفي ما قدمتم من القرابين للصليبيين من أبناء الشعب مثل الشيخ الشهيد أبو علي الحارثي وإخوانه وأبو سيف والمحضار وغيرهم، وهددوا مدير السجن أنه إذا تم إعدام علي جار الله فسيكون لنا رد ثم نزلوا إلى الغرفة وخطب خطبة العيد قاسم الريمي وتكلم عن إعدام الأخ وشدد في الكلام وهدد ولم تأخذه في الله لومة لائم.. جزاه الله خيراً.
وبعدها استدعونا بزعم أن غالب القمش طلبنا وقيدونا وكلبشونا وأخذونا إلى الزنازين الانفرادية نحن فواز ومحمد العمدة وقاسم الريمي وفوزي الوجيه وبسام وفارس وياسر وزكريا.
وبعدها طلبت أنا وفواز مدير السجن وحاولنا نصلح الموضوع ونرجع جميعاً إلى (السجن) الجماعي وبعد أسبوع رجعت أنا وفواز إلى الجماعي والآخرون رفضوا أن يرجعوا.
إعدام (السعواني)
كان الخطأ منا في هذه الحادثة، ولأننا قررنا الحفر فلا داعي لخلق مشاكل مع الإدارة، ولكن كنا نريد أن ندفع حكم الإعدام عن الشيخ بكل وسيلة حتى وإن أدى ذلك إلى أذانا والحمد لله كان ظاهره المحنة، ولكن كان فيه فائدة لنا أنهم فتشوا الجماعي وكانت فترات التفتيش متباعدة فقد تصل أحياناً إلى 9 أشهر فتساعدنا طول الفترة على (إنجاز) الحفر وكان هذا درساً لنا أن الذي يتحمل المشاق في سبيل الله ويصدق الله فإن الله يجعل له فرجاً ومخرجاً مهما كان، فوقوف الأخوة مع الشيخ الشهيد كان ثمرته التوفيق ولله الحمد والمنة.. ولا نامت أعين الجبناء.
اختبار الفكرة
ثم رجعت أنا وفواز إلى السجن الجماعي أما قاسم ومحمد وفوزي وياسر فقد أخروهم شهرين، قررنا الحفر وكان عندنا غرفة صغيرة وأردنا ألا نشرك جميع الأخوة في هذا الأمر حتى نتأكد من بوادر نجاح الفكرة.
فدخل الغرفة الصغيرة فواز وإبراهيم هويدي وحزام الديلمي وطلب منهم فك البلاط برفق وكان ذلك ليلة التاسع من ذي القعدة 1426 هجرية.
وليلتها وصل من الحديدة منصور البيحاني (أبو عاصم التبوكي كشفت "الغد" في عددها الماضي عن مقتله بغارة أميركية في الصومال)، وأخوه إبراهيم وعبده والشهيد شفيق رحمه الله فطرحنا عليهم الفكرة فوافقوا.
أغلق الأربعة فواز وإخوانه باب الغرفة الصغيرة عليهم وبدؤوا الحفر.. بفضل الله وحفظه قررنا أن يكون العمل في النهار مع صلاة الفجر إلى المغرب فقط ويرجع كل شيء إلى مكانه تحسباً للتفتيش.
القرآن للتشويش
ومع العمل يقرأ أحد الإخوة القرآن بصوت عالٍ ليغطي على الصوت والنحت. حاول الإخوة إيجاد ثغرة بين البلاط لفتحه فعجزوا فنحتوا في الحاشية في نفس الغرفة الصغيرة وفي ركنها ووجدوا ثغرة ولله الحمد. وفتحوا بعد مشقة اثنتي عشرة بلاطة ثم زادوا أربعاً فصار 16 بلاطة ووجدوا قليلاً من التراب ثم خرسانة قوية سمكها 30سم وبدؤوا في نحتها بملعقة الطعام وبعض صفائح المعدن تبع المطبقية واستمروا على هذه الحال 20 يوماً، ومع النحت وبعد 20 يوماً وصل الإخوة إلى التراب وفتحوا في هذه الصبة فتحة صغيرة فوسعنا الفتحة حتى صار يدخل فيها الأخ النحيف، وزادت التوسعة وبدأنا بتصريف التراب في المجاري..
معضلة في بداية الطريق
ومع الفرحة استعجل بعض الإخوة في تصريف التراب وكثر حتى صرفنا تقريباً طناً أو طناً ونصف وانسد المجرى وطفح الماء من غرفة التفتيش في الشماسي وامتلأت الحمامات بالماء وكان الموقف صعباً، ولجأ الأخوة إلى الله تعالى وانتظرنا إلى المغرب فطلبنا أن نخرج إلى غرفة التفتيش تبع الحمامات وكانت في الشماسي فاستأذن العسكري الإدارة فوافقت، فخرج عدد من الأخوة، جزاهم الله خيراً وفتحوا السداد وجاء مدير السجن ورأى التراب ولكن أعماه الله، وكان الإخوة من الداخل يسكبون ماء من أجل أن يساعد على تصريف التراب والحمد لله (عدّت) على خير، وعادت المياه إلى مجاريها.
كانت هذه أول مشكلة واجهتنا وتصرفنا فيها بفضل الله التصرف السليم حيث أرجعنا البلاط إلى مكانه وعملنا فيه دقيقاً وسكراً فكان مثل الجبس أو القص تماماً والذي يدخل لا يشعر بشيء البتة,وقد دخل الفراش مرة بزعم أنه سيغير الفرش والبطانيات ولم يشعر بشيء ولله الحمد والمنة.
تنتهي المرحلة الأولى
وكانت هذه نهاية المرحلة الأولى، وتوقفنا عن الحفر عدة أيام وتناقشنا كيف نصرف التراب، واتفقنا أن نستغني عن أحد الحمامات ونضع التراب فيه وكان قد عرف جميع الأخوة إلى هذه اللحظة (قصة الحفر) واستأنفنا الحفر مرة أخرى فحفرنا ثلاثة أمتار حتى وصلنا إلى أساس المبنى ودخلنا من تحته واستمر الحفر تحت الأساس حتى تعديناه، وكان ذلك قبل عيد الأضحى المبارك ونزل تلك الليلة جمال البدوي على غير اتفاق وأخبرناه فوافق ثم رجع ياسر (الحميقاني) عليه رحمة الله من الزنازين وبعده جاء قاسم وغريب ومصعب واكتمل العدد ثلاثة وعشرين.
مروحة لتبديد الظلام داخل النفق
واحتجنا إلى إضاءة وكان عندنا توصيلة نسيها العسكري واستغنينا عن المصباح في الغرفة الصغيرة فوصلنا سلكاً من مكان المصباح إلى الحفرة، وعندما زاد عمق الحفرة فتحنا قلب المروحة وأخذنا الأسلاك النحاسية فجمعنا كل أربعة أسلاك نحاسية واستخدمنا السفرة البلاستيكية السفري ولففناها على الأسلاك، وكلما طالت الحفرة زدنا هذه الأسلاك وعدد المصابيح حتى آخر الحفرة، وكان تصريف التراب في أحد الحمامات ويتم كبسه حتى امتلأ فبدأنا بوضع التراب في الغرفة الصغيرة التي نحفر فيها وكنا نعجن التراب بالماء فكان يقل حجمه وكانت تنبعث من التراب رائحة فكان الأخ زكريا (لعله زكريا اليافعي) يبخر الغرفة دائمة فتغلب رائحةُ البخور رائحةَ التراب ولله الحمد.
مشادة مع العسكري
وعندما وصلنا 15 متراً (في النفق) دخل العسكري وطلب من الأخوة دخول الغرفة الكبيرة وإغلاق الباب وظن بعض الأخوة أن الأمر انكشف فحدثت مشادة بين العسكري والأخوة فقال العسكري معي صاحب اللحام نريده أن يلحم أبواب الحمامات فقط ويأخذ المقاسات، وكان التراب يظهر من تحت الباب، وفي ساحة دورة المياه، المهم دخل العسكري والملحم وأخذ المقاسات وكأن على عينه غشاوة فلم ير التراب وكفانا الله شره بعد ما كثرت الظنون.
وكنا نقول قبل ذلك لو دخل العسكري انكشفنا فكأن الله أراد أن يعلمنا درساً أن الأمر الذي تعلمونه ليس بإمكانياتكم ولكن بستري وتقديري ليس لكم فيه تدبير (ولله الأمر من قبل وبعد)..
أخذ المقاسات وذهب يأتي باللحام ليصلح أبواب الحمام، فتشاورنا في الأمر واستخرنا الله تعالى، وفي كل حادثة ولله الحمد نستخير الله، واتفقنا أن ننقل التراب من الحمامات - وكان حمامان ممتلئان - إلى غرفة نومنا الكبيرة تحت الفرش وفي الزاوية الميتة التي إذا فتح العسكري الباب لا يراها، وبدأ عمل تفريغ التراب من الحمامات ووقفنا الحفر حتى ننتهي من المشكلة أولاً، كنا نضع التراب تحت الفرش حتى ارتفع سبعين سم وسط الغرفة وتركناه ووضعنا في الزاوية حتى ارتفعت مترين تقريباً والباقي في الغرفة الصغيرة وعمل الإخوة جميعاً طوال الليل وكذلك الصباح حتى الظهر فأرهقوا إرهاقاً شديداً حتى فرغنا الحمامات وأصبحت نظيفة كما كانت وانتظرنا الملحم ولم يأتَِ ونحن كنا قد قلنا للعسكر لا نريد إصلاح الأبواب فكأنهم تركونا وكفيناهم ولله الحمد، وهنا انتهت المرحلة الثانية بفضل الله ومنته.
حفرٌ على مدار الساعة
عندما طال النفق احتجنا إلى وسيلة نسحب بها التراب فأخذنا دبة ماء سعة 20 لتراً وفتحناها من جانبها مثل الصندوق وقطعنا بعض الملابس وعملنا منها حبلاً من جانبي الصندوق، فكان حبل من جهة الحفار وحبل من جهة الذي يسحب التراب، وانقسمنا عدة مجموعات والعمل مستمر 24 ساعة دون توقف كلما تنتهي مجموعة توقظ الأخرى وهكذا دواليك..
كنا قبل أن نضع التراب في الغرفة الكبيرة ننام براحة وأماكننا كثيرة ولكن بعد وضع التراب صار النوم متعباً، ولكن مع شدة الإرهاق ننام على أي حال وإلى هذه المرحلة كان عدد المجموعات أربعاً وعدد كل مجموعة 5 أفراد؛ الحفار، والمساعد الذي يضع التراب في الوعاء، والسحاب، والذي يأخذ التراب، والكباس – وكان ارتفاع النفق من الداخل 80 سم وعرضه 60 – 70 سم.
عُدنا إلى الحفر مرة أخرى بعد أن نقلنا التراب من الحمامات، كان بقي فراغ في الغرفة الصغيرة فوضعنا فيها التراب الجديد.
وعندما تأخر الملحم وضعنا التراب في الحمام رقم 1 في أكياس بلاستيك من أجل أن تكون سهلة الحمل إذا حدث أمر واستمر الحفر حتى وصلنا 30 متراً وكنا شاكين قليلاً في الاتجاه فأردنا أن نحدد الاتجاه وكنا أيضاً نظن أننا وصلنا، المهم استخرنا الله تعالى وطلعنا وكنا في البدروم تحت الأرض مترين ونصف وعند الحفر كنا نرتفع تدريجياً قليلاً قليلاً.
تغيير المسار
فتحنا فتحة بزاوية فإذا نحن داخل سور المعتقل على بعد 4 أو 5 أمتار من البرج الذي بجانب السور، وعلى البعد نفسه من العسكري، وحددنا الاتجاه فإذا نحن في الاتجاه الخطأ بعيداً من المسجد فرجعنا بزاوية 45 درجة وسدينا الفتحة بالتراب داخل ثوب وغيره، ورجعنا مترين وعدلنا المسير، وهذا الأمر من توفيق الله تعالى إذ لو استمرينا كنا أخطأنا الاتجاه، وقد ربما ننكشف في وقت الخروج، وبعد التصحيح حفرنا مترين ووجدنا سور حوش المعتقل، واستمر الحفر والتراب نضعه في الحمام الأول حتى عدّينا (تجاوزنا) السور بعدة أمتار..
إنه نسيم الحرية
وجدنا هواءً وبروداً واختلافاً في الجو عن داخل سور المعتقل، حيث الكتمة وضيق التنفس، فقال أحد الإخوة حتى الأرض تمقت الظلم فمكان الظلم كتمة وضيق نفس وخارج المكان هواء وسعة صدر..! وهذا الأمر لاحظه جميع الإخوة وكان لنا عبرة وعظة،فالحمد لله الذي أخرجنا من هذا المكان بفضله ومنه وكرمه..
ونشهد الله وملائكته وجميع خلقه أننا نبغض الظالمين ونعاديهم ولا نقرهم بإشارة ولا عبارة وإذا رأينا ظلمهم ونحن في الفتنة وتحت سياطهم فأضعفنا إيماناً من يكفهر في وجوههم.
تسريب يهدد باختناق
بعد أن تعدينا السور واجهتنا مشكلة صغيرة وهي خروج ماء من عند أساس الغرفة في مدخل النفق وكان هذا الماء له رائحة كأنه مجار فخاف بعض الإخوة من أن يتفاقم التسريب إلا داخل النفق فيحصل من الغاز الناتج من المجاري فيسبب اختناقاً وكنا نريد حلاً لهذه المشكلة فلم نجد إلا التراب فكان الأخ الجالس هناك يضع تراباً دائماً على مكان التسريب إلى أن وقف التسريب بفضل الله.
تواصل الحفر ووجدنا بعد خروجنا من السور باتجاه المسجد ماصورة تقريباً لمجاري المسجد وبعدها سور المسجد على بُعد عشرة أمتار من سور المعتقل.
حديدة في الوقت المناسب
ونحن تحت سور المسجد وجدنا حديدة طولها نصف متر وكانت السبب الرئيسي بعد الله في نحت الصبة التي تحت حمام المسجد، عندما وجدناها قال بعض الإخوة نطلع من عندها فوجدنا صبة قوية جداً وكان الأخوة يدقون فيها بشدة، فكنا نسمع دقاً من فوق فنوقف نحن ويوقف هو، وهكذا، حتى تقرر عندنا أننا ننحت الصبة نحتاً فلم يجد شيئاً فقد نحتنا الصبة في أول النفق 20 يوماً تقريباً، والنحت من الأعلى إلى الأسفل سهل أما النحت من الأسفل إلى الأعلى صعب كما هي الحال، فقلنا ندق في النهار ونترك في الليل حتى ليلة الخروج وندق بشدة ونخرج، مكثنا على هذه الحال 12 يوماً وفي أحد الأيام وجدنا كوع المرحاض ومع الدق انكسر منه شيء قليل كنا ننظر منه ونرى غرفة مغلقة ظنناها غرفة غسل الموتى، ومع النحت تبين لنا أننا في حمام وكنا نظنها حمامات المسجد للرجال واستمر النحت حتى تأكدنا أننا قريبون جداً ونستطيع ندق ليلة ونخرج.
فزعٌ في الداخل وإطلاق نار في الخارج
جاء خبر من الإدارة أنهم يريدون أن يلحموا شباك الحمام والغرف (في المعتقل)، طبعاً الشباك من الداخل وسيظهر التراب وننكشف.. كان هذا يوم الخميس يوم الزيارة فقررنا الخروج ليلة الجمعة، فذهب قاسم الريمي وزكريا عباد وحزام والديلمي رحمه الله الساعة الثامنة وبدؤوا الدق بشدة حتى سمع العسكر الذين يحرسون السور من الخارج وظنوا أن أحداً يرمي قنابل من بعيد فبادر أحدهم بإطلاق أعيرة نارية في السماء وقال نسمع أصوات قنابل من بعيد فتوقف الإخوة قليلاً بعد ما فتحوا فتحة صغيرة يخرج منها الأخ/ النحيف فكان هذا زكريا، وخرج يحرس من داخل حمام مسجد النساء فإذا مر العسكر قريباً من الشباك يوقف الإخوة، وإذا ذهبوا بعيداً دقوا حتى فتحوا فتحة كبيرة بحيث يستطيع أن يخرج منها الأخ بشدة وصعوبة فتركوا الدق.جاء حزام إلى المعتقل يبشرنا وسجدنا لله شكراً ونزلت علينا سكينة وعلمنا أن الله تعالى سينجينا تلك الليلة.
احتمالات وبدائل
كنا قد قررنا أيام الحفر أننا إذا خرجنا إلى داخل المسجد أو داخل الحمامات وكانت مغلقة ننتظر حتى يفتح المؤذن ونخرج، وكنا نضع الخطة الأمنية للخروج بهذا الشكل أو نكسر الباب، المهم كانت هذه فكرتنا وعليها كنا نظن المقاومة بهذا الشكل فوضعنا خطتنا لها ولله الحمد.
ولكن كان من صنع الله لنا أن أخرجنا من مسجد النساء فالنساء لا يدخلن المسجد إلا يوم الجمعة أو صلاة التراويح في رمضان.
فكان المكان خالياً تماماً وباب مسجد النساء مفتوحاً، خرج بعض الأخوة إلى مسجد النساء بدري الساعة التاسعة مساءً وتجولوا في المسجد ونظروا من باب المسجد الخارجي المؤدي إلى شارع الستين فوجدوا حراسة على السور من الخارج فقلنا ننتظر إلى صلاة الفجر ونصلي في مسجد النساء ونخرج مع المصلين جميعاً.
يتنكرون حتى لا يكشفوا
المهم استعد الأخوة داخل المعتقل من حيث حلق اللحى وتغيير الشكل والملابس، وكلما أكملت مجموعة استعدادها ذهبت إلى الخارج حتى تتام الأخوة جميعاً خارج المعتقل وبقي فقط ثلاثة أخوة داخل المعتقل.
وموهنا الغرفة فجعلنا البطانيات على شكل أن أحدهم نائم وكان البرنامج اليومي عندنا في المعتقل من بعد الفجر نوم إلى صلاة الظهر فيفتح العسكري ويعطينا الغداء وكنا قد عودنا جميع العساكر على أن تكون الإضاءة والفطور ما نريده حتى أصبح برنامجاً.
وكان تقديرنا أن الإدارة لا تعرف عن هروبنا إلا وقت الجمعة أو بعد ذلك، فكان كما توقعنا ولله الحمد، فلم يعلموا قبيل صلاة الجمعة، وأخبروهم أصحاب المسجد، وبعدها اكتشفوا الأمر.
السيارات في الانتظار
نرجع إلى نهاية الكرامة، بقي في الغرفة اثنان وبقية الأخوة في مسجد النساء صلى الاثنان الفجر في المعتقل وطرقوا باب الغرفة لإطفاء النور كعادتهم كل يوم وخرجوا لحقوا بإخوانهم على انتهاء المصلين من صلاة الفجر ومع خروج أوائل المصلين من مسجد الرجال خرج جميع الأخوة من الجانب الآخر وكان العسكر ينظرون إلينا والناس وفي عيونهم الاستغراب، ومشينا لأكثر من 300 متر حتى وصلنا إلى السيارات وتقسمت المجموعات وكلٌ ذهب إلى رحمة الله الواسعة..
ختاماً
كانت هذه قصة الهروب الكبير لمجموعة الـ(23) الموصوفين بأنهم، أو فيهم "أخطر عناصر القاعدة" في اليمن..
ربما كان إفلاتهم من معتقل الأمن السياسي هروباً من سجن صغير إلى سجن أكبر، غير أنهم حملوا قدرهم، مدفوعين بقناعاتهم، وبأنهم مجاهدون في سبيل الله ولا شيء غيره..
في العدد القادم يواصل أبو بصير سرد "الكرامات" التي حصلت أثناء عملية حفر النفق، ومنها قصة (القط الذي لم ينسَ الجميل) وماء زمزم، والرؤى المنامية، ويتحدث عن مفهومه لعقيدة (التوكل)، ومقارعة من يصفهم بـ"الطواغيت"، ويكشف ما إذا كان ثمة دور أو تواطؤ لأحد مسئولي السجن أو حراسه في تسهيل عملية الهروب..
كما تكشف (الغد) عن تفاصيل جديدة تحكي كيفية جرى التواصل بين مجموعة الفارين والسيارات التي كانت بانتظارهم على بعد أمتار من المعتقل
اخترنا لكم
آخر تحديث
السبت,23 نوفمبر 2024
الساعة 02:36
مساء
# | اسم العملة | بيع | شراء |
---|---|---|---|
دولار أمريكي | 2074.00 | 2061.50 | |
ريال سعودي | 542.00 | 540.00 |