كان اليمنيون يطلقون على عاصمتهم "باريس الشرق"، حيث كانت تزدان شوارعها بأنوار المصابيح، وتضيء الكهرباء مساكنها وأحياءها ومتاجرها، وتتلألأ القناديل بألوان مختلفة من فوق مباني مؤسسات الدولة ومرافق الحكومة ومقار الشركات الخاصة والعامة.
وكانت صنعاء تبدو للمشاهد من فوق الجبال المحيطة بها كالأسورة حول المعصم -وتحديدا جبالها الشامخة: نقم شرقا وعيبان غربا وعطان جنوبا وما بينهما من مرتفعات وتباب- كأن قناديلها المنارة بأضواء الكهرباء نجوما تتلألأ في السماء، في لوحة بديعة تعكس حالة من البهجة والراحة.
وتعيش العاصمة اليمنية صنعاء في ظلام دامس منذ تسعة أشهر، نتيجة انقطاع الكهرباء بشكل متواصل ليلا ونهارا، في مشهد لم تشهده العاصمة إلا عام 2011 خلال ثورة التغيير الشعبية السلمية، التي أطاحت بالرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
توقف الحياة
وتقول أم أحمد النهاري -معلمة وربة منزل- للجزيرة نت إن "الكهرباء هي الحياة وبدونها تتوقف الحياة، حيث تتوقف وتتعطل كل أدوات المنزل التي تعمل بالكهرباء، فالتلفاز مطفأ ولن تتابع نشرات الأخبار أو الأفلام أو المسلسلات الدرامية، والثلاجات انتفت وظيفتها ولا مكان للمأكولات واللحوم فيها حتى لا تتعفن، حتى الماء لم يعد يصعد إلى المنازل والشقق".
من جانبه، يقول أحمد الزبيدي -سائق سيارة أجرة- "لقد رجعنا مئات السنين للوراء، حيث عهود الظلام وعصور ما قبل الحضارة واكتشاف الكهرباء، وباتت الحياة كئيبة، فقد أصاب الظلام الناس بالإحباط والتوتر والبؤس، كما أن الوقود لا يتوفر إلا في السوق السوداء وبأسعار مضاعفة، ولقمة العيش باتت أصعب مما تتخيل".
ويضيف للجزيرة نت "بينما يصارع أبناء الشعب وحدهم الظلام والقصف والرعب، ويقاسون الجوع والفقر والمرض، لا تنطفئ الأنوار عن منازل وقصور رموز الفساد من ناهبي ثروات البلد، كما يتزودون بالمشتقات النفطية وبأنواع السلاح المختلفة".
عقاب جماعي
من جانبه، يؤكد الصحفي والمحلل السياسي أحمد شبح أن الحوثيين تعمدوا قطع الكهرباء عن العاصمة صنعاء، ومنعوا إصلاح خطوط نقل الكهرباء، خاصة محطة مأرب الغازية، المشروع الإستراتيجي الأهم في البلاد، بينما كانت تواصل مليشيات الانقلاب الزحف على المدن والمحافظات وتحاول اجتياح محافظة مأرب.
ويضيف -في حديث للجزيرة نت- أن الحوثيين والمخلوع صالح أرادوا من خلال قطع الكهرباء فرض عقاب جماعي على الشعب، والانتقام من ثورة التغيير ومؤيديها في الجيش والأحزاب والشباب والقبائل، والانقلاب على الشرعية، والعودة للسلطة بالقوة.
ويقول إن "هذه المليشيات الظلامية المتمردة التي ولدت من الكهوف، ويعيش زعماؤها في الملاجئ والأنفاق تحت الأرض، لا يريدون للشعب أن يعيش في النور ويرى ما يجري من حوله، ولا يريدون لجرائمهم أن تخرج للضوء، ويعملون على حجب المعلومة ووسائل الإعلام عن المواطن، حتى يبقى دائرا في فلك إعلامهم ولا يسمع ولا يرى سوى أكاذيبهم وأباطيلهم".
ويعتقد شبح بأن "سكان العاصمة صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين وقوات صالح ظلوا ولا يزالون بين خياري القبول بالواقع والتعايش معه، أو الموت والتنكيل والتعذيب في حال اعترضوا على الانتهاكات وجرائم مليشيا الانقلابيين".
ويشير إلى أن "المواطن وتحت تهديد القوة والسلاح اتجه للبحث عن بدائل للكهرباء، ومنها شراء أدوات الطاقة الشمسية، بينما اتجهت قيادات موالية لصالح والحوثي نحو المتاجرة بحياة المواطن واستغلال المعاناة التي صنعوها لليمنيين، لكسب المال الحرام والثراء السريع واحتكار تجارة بدائل الطاقة ومستلزماتها وبأسعار باهظة".