بعد أكثر من عام من سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء، حولت جماعة الحوثي، الموالية لطهران، والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح أنحاء البلاد إلى براميل بارود، صارت تتفجر باستمرار في وجوه الجميع بعد شنها لحرب شاملة استهدفت اليمنيين كافة.
ومنذ أواخر العام 2013، خاضت جماعة الحوثي المسلحة عدداً من الحروب، بدأتها مع الجماعات السلفية في بلدة «دماج» بمحافظة صعدة شمالي البلاد، ومع رجال القبائل وقوات من الجيش في محافظتي عمران والجوف (شمالاً) ومن ثم صنعاء، غنم الحوثيون الكثير من العتاد الدولة العسكري، ثم قاموا ببيعه في وقت لاحق.
ازدهرت تجارة بيع وشراء السلاح بمناطق مختلفة في اليمن، وتحولت العاصمة صنعاء إلى معرض لبيع السلاح، ومعها تحول شارع التحرير، أو شارع علي عبد المغني، إضافة إلى شارع الزبيري، في قلب العاصمة، إلى أسواق صغيرة ومتنقلة لبيع وشراء مختلف أنواع السلاح، حيث يعرض الكثير من عناصر التمرد الحوثي أسلحة قاموا بنهبها من مخازن الجيش، عقب اجتياحهم العاصمة صنعاء، وقبلها محافظة عمران العام الماضي.
ويوضح سكان في العاصمة أن شارعي التحرير والزبيري صارا مقصداً لكثير من اليمنيين، من الفئات العمرية المختلفة، لشراء الأسلحة دون ضوابط أو قانون ملزم، مشيرين إلى أن مخاوف عدة تعتري المواطنين من تلك الممارسات التي تؤدي إلى انتشار الأسلحة في أيدي المجرمين وأفراد العصابات، إضافة إلى المراهقين، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى حدوث فوضى أمنية لا يمكن السيطرة عليها مستقبلاً.
الكثير من التجار الذين يعرضون الأسلحة في هذه الأسواق المتنقلة، أكدوا حصولهم عليها من شخصيات نافذة في جماعة الحوثيين المتمردة، وأكد بعضهم أنه يتولى عملية البيع مقابل عمولة محددة من السعر، وأن هذه الشخصيات تملك غالبية الأسلحة المعروضة في السوق.
ويقول المحلل العسكري سمير جابر إن من يقف وراء انتشار ظاهرة بيع الأسلحة هم الحوثيون، الذين قال إنهم يريدون من وراء ذلك الحصول على مصادر لتمويل حروبهم الداخلية، وللاعتداء على خصومهم ومعارضيهم المدنيين، بعد نضوب جميع موارد الدولة بسبب سياساتهم الكارثية، وانقطاع الدعم الذي كانوا يعولون على وصوله من طهران، بسبب الحظر الذي تفرضه قوات التحالف العربي بقيادة السعودية على كل المنافذ البرية والبحرية والجوية.
تجارة مزدوجة
بعد أن تاجروا في المشتقات البترولية، ومنعوا وصولها إلى المحطات المعروفة، واصل المتمردون الحوثيون تجارتهم في بيع وشراء الأسلحة، فهم ليسوا بحاجة للأسلحة الشخصية مثل المسدسات والبنادق، لذلك تخلصوا منها ليستفيدوا من أسعارها، وأوضحوا أن بعض المتنفذين استولوا بطرق خاصة على كميات كبرى من الأسلحة، وحولوها لمصلحتهم الشخصية، ولم يجدوا بداً من بيعها للمواطنين، حتى يقوموا بتحويل أثمانها خارج البلاد، على غرار ما فعلوا في مرات كثيرة، وهم في سبيل الحصول على مصالح شخصية لهم، لن يتورعوا في ذلك، ولو كان على حساب أمن المواطن، بحسب مراقبين.
وأشار بعض السكان الذين يقطنون في مناطق قريبة من شارعي التحرير، والزبيري إلى أنهم باتوا مضطرين إلى إغلاق نوافذ منازلهم معظم الوقت، ومنعوا أبناءهم من النزول إلى الشوارع، خشية إصابتهم برصاص المشترين، حيث أصبحوا يخشون على حياة أبنائهم من أن تصيبهم إحدى الرصاصات الطائشة التي تنطلق في محيط المكان.
ويبدو أن بيع السلاح يدر ملايين الدولارات على المتاجرين به، خاصة مع استمرار الحروب في مختلف مناطق البلاد، حيث يقوم تنظيم «القاعدة» بشراء مختلف أنواع الأسلحة، مثلما حدث مؤخراً في مدينة عدن بعد فرار الحوثيين من عدن، حيث قام المئات ممن استولوا على أسلحة من مخازن الجيش أو عثروا عليها في مخابئ للحوثيين ببيعها في المدينة، حيث كان لسوق الشيخ عثمان الحضور الأكبر لبيع السلاح بمختلف أنواعه، ولوحظ الإقبال الكبير على شرائه، واتضح لاحقاً أن عناصر تنظيم القاعدة من كانت تقوم بشرائه.
سوق سوداء
لا تقتصر عملية بيع الأسلحة على «السوق السوداء» في بعض شوارع العاصمة صنعاء، بل وعلى أطرافها كذلك، حيث تباع الأسلحة بشكل علني في مداخل العاصمة من جهة محافظة عمران، حيث يقوم تجار الأسلحة بعرض أسلحتهم في بسطات، وعلى متن سيارات.
في جولة عمران، على طريق (صنعاء عمران)، وفق موقع «يمن برس» فإن سيارات تعرض أسلحة متنوعة وذخائر للبيع، في هذه المنطقة وغيرها من المناطق. البائعون ينتمون إلى جماعة الحوثي، الذين تحول الكثير من قادتها إلى تجار أسلحة يبيعون ويشترون في كل شيء، ويقومون أحياناً بمهام الدولة التي بدأت تتلاشى مع مرور الوقت.
في جولة عمران، حيث «السوق السوداء» الخاصة ببيع الأسلحة، تباع مسدسات متنوعة، جديدة، إضافة إلى الكلاشنكوف، والذخائر بأنواعها المختلفة، فضلاً عن بيع المستلزمات العسكرية المختلفة.
وتشير المصادر إلى أنه يتم بيع هذه الأسلحة تحت جسر جولة عمران، منوهاً إلى أن أغلب من يرتاد هذه السوق، هم من عناصر جماعة الحوثي الذين يتواجدون بكثرة في المنطقة، التي يستخدمونها في حروبهم الداخلية. وبحسب المصادر نفسها فإنه كان من اللافت وجود كميات كبرى من المسدسات التركية، المعروضة للبيع، في الوقت الذي تشير مصادر أخرى إلى أن تلك القطع، تعود لشحنات الأسلحة التركية التي ضبطتها أجهزة الأمن في عهد حكومة الوفاق الوطني، برئاسة محمد سالم باسندوة، و صادرتها من قبل تلك الأجهزة، إلا أن الميلشييات قامت بنهبها، ثم بيعها في أسواق السلاح.
زينة الرجال
يرى الكثير من المراقبين أن أسواق السلاح في اليمن باتت مزدهرة منذ مدة بعيدة، فبعد قيام دولة الوحدة عام 1990 تزايدت ظاهرة الاتجار بالسلاح، خاصة مع تزايد الصراع بين الدولة وبعض رجال القبائل في مناطق البلاد المختلفة، خاصة تلك التي لم تعد تحت سيطرة الدولة في مناطق خارج العاصمة، مثل خولان ومأرب وصعدة والجوف وغيرها من المناطق.
يعيد الكثير من المراقبين انتشار السلاح في أيدي القبائل إلى أن العرف القبلي يرى في السلاح جزءاً من شخصية اليمني، ويعتقد رجال القبائل أنه زينة الرجال، لكنه في اليمن أكثر من ذلك بكثير، فبعضهم يتحدث عن 60 مليون قطعة سلاح في البلاد، إلى جانب الخناجر التقليدية التي يتمنطق بها كل يمني منذ قرون، ورغم أن هذا الواقع كان يدار في بعض الفترات بضوابط معينة إلى حد ما، إلا أن انتشار السلاح تحول إلى ظاهرة يصعب القضاء عليها، لاسيما منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة قبل أكثر من عام.
وتحت حجة مواجهة أي احتلال أجنبي لليمن، شجع بعض رجال الدين المواطنين على اقتناء السلاح بل وقاوموا خطة الدولة في بعض الفترات لمنع حمل السلاح في عواصم المدن، من أبرزهم الشيخ عبد المجيد الزنداني.
يقول الباحث الاجتماعي حمود العودي إن مفهوم السلاح كظاهرة اجتماعية في حياة المجتمعات البشرية بشكل عام يعد ظاهرة تاريخية ممتدة بامتداد تاريخ الإنسان، فالإنسان استخدم السلاح منذ فجر التاريخ لسببين، الأول يتعلق بالدفاع عن النفس وتفادي الأخطار، والثاني بتحصيل احتياجاته ومكاسبه من الصيد وغيره، وبالتالي فهو جزء من عملية التناقض والتباين بين الإنسان والبيئة. والإنسان بعد انتصاره على الطبيعة أصبح يصارع نفسه، ولم يعد يصارع البيئة كما كان في الماضي. وتعد حيازة السلاح وحمله وتجارته سمة غالبة في مناطق مختلفة في اليمن ، وتعد عرفاً اجتماعياً سائداً رغم محاولات سابقة وراهنة لتقنينه، ومنع التجول به.
في اليمن أكثر من 20 سوقاً لبيع السلاح من أشهرها سوق جحانة شرق العاصمة صنعاء، وسوق الطلح في صعدة، وسوق ريدة في عمران شمال صنعاء، وفيها تباع العديد من أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وحتى الثقيلة.
ويشير الخبير العسكري محسن خصروف إلى أن صالح كان يعطي تصاريح بتوريد أسلحة لأشخاص مقربين منه، وتباع في الأسواق السوداء، كما أن وثائق نشرها موقع «ويكيليكس» كشفت أن صالح كان يشارك تاجر السلاح الشهير فارس مناع، محافظ صعدة السابق، المعين من قبل الحوثيين في تجارة وتوريد الأسلحة إلى اليمن، ومنه يهرب إلى بلدان أخرى مثل الصومال، وغيرها من البلدان.
ويرى أن تجارة الأسلحة تعد مطمعاً لكثير من الناس في اليمن لما تدره من أرباح، لكنها ظلت محتكرة على مشايخ وموظفين من كبار رجال الدولة، إضافة إلى قادة عسكريين سابقين وحاليين يتاجرون في الأسلحة أيضاً وأصحاب نفوذ صنعهم النظام السابق ويرتبطون بشراكة مع أكبر رموزه.
ويرى مؤسس ورئيس منظمة دار السلام المعنية بمكافحة الثأر والعنف وحمل السلاح باليمن عبد الرحمن المروني أن هناك العديد من الدراسات المحلية والدولية أجريت حول حجم السلاح بأيدي اليمنيين المدنيين وآثاره على المجتمع، إلا أنها لا تعكس الواقع، في حين تتحدث التقارير عن وجود أكثر من 60 مليون قطعة سلاح باليمن.
ويؤكد المروني وجود الأسلحة الصغيرة في أي بيت يمني، والإحصاءات الأولية تشير إلى أن هناك 1200 قتيل سنوياً بسبب سوء استخدام السلاح، وقال إن الدولة كانت قد أغلقت أسواق بيع الأسلحة، ومنعت الاتجار بها، إلا أن المواجهات العسكرية والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد في ثورة فبراير/ شباط 2011 أعادت هذه الأسواق من جديد.
الأسواق المزدهرة
خلال الفترة التي تلت الاحتجاجات الشعبية على نظام علي عبد الله صالح، تزايد نشاط أسواق السلاح في مناطق مختلفة من البلاد، من الشمال إلى الوسط وإلى جنوب البلاد، حيث لوحظ ذلك الانتعاش في كل أسواق السلاح. ويقول أستاذ الأزمات في جامعة الحديدة نبيل الشرجبي إن غياب الدولة ساهم في زيادة تهريب السلاح وتجارته إثر الإطاحة بنظام صالح في 2011، مشيراً إلى أن هناك أسباباً عدة تقف وراء ازدهار سوق السلاح أبرزها انتشار الفوضى، واقتحام المؤسسات العسكرية، حيث قامت جماعات العنف بنهب السلاح من معسكرات الدولة وتوزيعه كغنائم».
ويضيف الشرجبي أن «المواطن اليمني بطبيعته كان يحرص على اقتناء السلاح في السابق، وبعد قيام الجماعات المسلحة بنهب العتاد العسكري للدولة وتسليح أنصارها، أصبح هذا المواطن يمتلك أكثر من قطعتين، وبالتالي يقوم ببيع الفائض، وكل ما غنمه من ذخائر في الأسواق من أجل توفير مصدر دخل».
ويضيف قائلاً إن «السلاح الذي بات في متناول اليمنيين لم يعد شخصياً، بل وصل إلى سلاح ثقيل بما فيها الدبابات، لذا أتوقع أن أي حرب قادمة ستكون فادحة بكل المقاييس، بسبب نوعية السلاح الثقيل الذي لم يكن في متناول الجماعات المسلحة من قبل».
وتنتشر أسواق السلاح في عدد من المناطق من أبرزها السوادية في محافظة البيضاء، ومدينة ذمار، ويريم بمحافظة إب، ودمت ومدينة الضالع في الضالع، الواقعة وسط البلاد، إضافة إلى سوق جحانة المشهور الذي لا يبعد عن العاصمة صنعاء سوى 35 كيلومتراً. وهناك سوق السلاح في مفرق ماوية بمحافظة تعز، وآخر في منطقة لودر، الواقعة بمحافظة أبين، وسوق مديرية أرحب (محافظة صنعاء)، إضافة إلى أسواق مديرية الطلح الشهيرة محافظة صعدة، التي تقع تحت سيطرة الحوثيين.
وتباع في هذه الأسواق أنواع مختلفة من المسدسات، والرشاشات الآلية، والقنابل، والمتفجرات، والمدافع المضادة للطائرات، والقذائف المضادة للدروع، والصواريخ المحمولة، والألغام، ويُعد الكلاشينكوف أكثر الأسلحة انتشاراً في اليمن، خاصة في ظل انتشار ظاهرة الثأر القبلي الذي لم تستطع الدولة القضاء عليه أو إيجاد حلول له على مدى السنوات التي أعقبت قيام ثورة سبتمبر / أيلول 1962 في شمالي اليمن، ومن بعدها دولة الوحدة عام 1990.
ويباع السلاح في جميع المحافظات اليمنية تقريباً، لكن طريقة العرض تختلف، ففي المحافظات ذات التركيبة القبلية تُعرض الأسلحة في معارض مجاورة لمعارض الخضار والفواكه وتباع مثل زجاجات الماء، وفي محافظات أخرى تباع سراً.