لم تعد ليلة الدخلة (يوم زفاف العريس والعروس) في اليمن، مناسبة سعيدة في أغلب الأوقات، فالحرب الدائرة بين تحالف الشرعية وشركاء الانقلاب امتدت لتطال أهم المناسبات في المجتمع اليمني وهي الأعراس.
وأصبحت الأعراس مناسبة للمتحاربين وفرصة سانحة للنيل من خصومهم بطرق ووسائل مختلفة، ومتنوعة بين القصف الجوي والمداهمات المباغتة والقصف بالصواريخ.
ورغم تعدد الأسباب والوسائل، إلا أن الأثر تفاوتت بين إفشال مناسبة زفاف بشكل كامل، إلى تحويل زفاف أخرى في اللحظات الأخيرة إلى مأتم جماعي بمشاهد لعشرات الجثث والأشلاء البشرية المتناثرة في قاعات الأفراح ومخيمات الأعراس.
وفي هذا التقرير يرصد «مندب برس» مجاز ليلة الدُخلة من زاوية حقوقية وإنسانية بحتة .
استهداف مواكب الأعراس
شهدت مناطق يمنية عدة خلال الأشهر القليلة الماضية عشرات المجازر التي ارتكبتها طائرات التحالف العربي، حيث استهداف قصف الطيران مواكب أعراس بغارات جوية راح ضحيتها العشرات من المدنيين، كم حدث في موكب عرس في دمت بتاريخ 23إبريل/نيسان الماضي.
مليشيات الحوثي هي الأخرى ارتكبت جرائم كثيرة بحق مواكب الأعراس في صنعاء وحدها بلغت شكاوي المواطنين عن اعتراض مليشيات الحوثي ولجانها الشعبية لمواكب لأعراس أكثر من 120 شكوى - حسب أحدى المنظمات الحقوقية التي ترصد مثل تلك الحوادث في تصريح لمسئول الرصد لـ«مندب برس».
وأوقف مسلحي الحوثي مواكب أعراس بالقوة وأطلقوا النار بشكل عشوائي على تلك المواكب كما حدث في موكب عرس بتاريخ 20أغسطس/آب بمدينة المحويت .
اقتحام صالات الأعراس
منذ سيطرة المليشيات الحوثية على محافظة عمران واجتياح العاصمة والمدن اليمنية بعد ذلك، وجرائم المليشيات لم تتوقف واقتحامات المسلحين المتكررة لصالات الزفاف في أكثر من محافظة تحت مبررات وحجج واهية.
في محافظة عمران اقتحم مسلحين حوثيين صالة أعراس نسائية، وحوادث كثيرة اقتحم فيها مسلحي الحوثي قاعات اعراس وأجبروا المغنين والمنشدين على إغلاق مكبرات الصوت وعدم الغناء باستخدام أدوات الموسيقى المعروفة .
كما اعتقلت المليشيات الحوثية عشرات الفنانين وأجبرتهم على توقيع تعهدات وسندات بعدم الغناء في الأفراح والأعراس، كما حدث للفنان نبيل العموش بمحافظة عمران.
اعتقالات للضيوف والعروسين
وتكررت مشاهد الاعتداءات التي طالت أعرس ومناسبات شعبية حيث لجأ الحوثيين لاختطاف مناوئيهم أثناء مشاركتهم في أفراح أصدقاءهم أو اعتقالهم وخطفهم من الطريق المودية إلى قاعة الزفاف.
وامتدت تلك التصرفات إلى قيام مليشيات الحوثي في تاريخ 14 أكتوبر/ تشرين أول الحالي، باختطاف عريس من منزله في مدينة إب، ونهب المنزل بما في ذلك مجوهرات العروس وملابسها .
قتل وإبادة جماعية
في ليلة السابع من أكتوبر/ تشرين أول الحالي، أمست اليمن على صدمة وفاجعة كبيرة، حيث لقي ما يزيد عن 81 شخص مصرعهم في قصف استهدف عرس بأحد المنازل بمنطقة سنبان بمديرية ميفعة عنس شرق محافظة ذمار (100كم2 جنوب شرق العاصمة صنعاء).
وجاءت هذه الحادثة بعد أسابيع من مجزرة مروعة شهدتها المخأ بمحافظة تعز حيث سقط 131 قتيل في قصف استهدف عرس في قرية الواحجة في 28 من سبتمبر/ أيلول الماضي.
كانت تلك الحوادث جرائم قتل جماعي وإبادة كاملة الأركان، تتطلب من المجتمع الدولي والمنظمات المعنية تشكيل فرق تحقيق مستعجلة والكشف عن الجهة التي وقفت خلف عملية القصف والاستهداف لتجمعات الأعراس في ذمار وتعز كلاً على حدة .
اتهامات متبادلة
في كلا المجزرتين والمجازر الأخرى المشابهة، تحولت تلك المجازر إلى مناسبة للمزايدات الإعلامية وورقة للاتهامات المتبادلة بين أطراف الصراع في اليمن.
الحوثيون بدورهم وظفوا تلك المجازر للنيل من قوات التحالف العربي وإظهارها كمذنب أمام الرأي العالمي والمحلي، من خلال تحميل التحالف بشكلاً عام والسعودية بشكل خاص المسئولية عن سقوط القتلى والجرحى.
وبعد كل حادثة كانت وسائل إعلام الحوثيين والانقلابين تتحدث عن قيام طائرات العدوان السعودي الأمريكي (طائرات التحلف العربي لدعم الشرعية) بقصف قاعات ومخيمات الأعراس في كلاً من ذمار والمخأ.
وطالب مسئولين حوثيين بتدخل الأمم المتحدة ومنظمة العفو في التحقيق بجرائم استهداف المدنيين في عرس بذمار وتعز.
ونشرت تلك الوسائل - خصوصاً التابعة للرئيس لسابق – تقارير وتحقيقات قالت أنها رسمية، تشير في مضمونها إلى تورط التحالف وطائراته في قصف العرس بالمخأ وذمار.
الحوثي المستفيد الوحيد
يحكي الصحفي حسين الصوفي لـ«مندب برس» مشهداً سبق مجزرة العرس في سنبان بذمار، يقول الصوفي : في قريتي التي تبعد عن سنبان قرابة 15كم2 انتشرت إشاعة بشكل كثيف وغير مسبوق عن أن الطائرات ستقصف العرس الجماعي الذي أقيم ل12عريس لآل منيف، واللافت أن الإشاعة ظلت حديث الصغير والكبير لأكثر من أسبوع سبقت العرس، فتفاجأ الناس بقصف عرس سنبان مساء الأربعاء السابع من أكتوبر، وبشكل وحشي وهمجي يفوق شناعة الإجرام،
يضيف الصحفي الصوفي وهو من أبناء محافظة ذمار ويسكن في قرية قريبة من منطقة وقوع المجزرة، «بحسب شهود كثر حدثت المجزرة بعد تحليق طائرة فوق المنطقة لأكثر من ربع ساعة، وبعد تنفيذ الجريمة استمر التحليق أو بشكل أدق، استمر سماع صوت طائرة لمدة تزيد عن ربع ساعة أيضا، وبربطها بالإشاعة المكثفة التي سبقتها، مع التناولات الإعلامية لها فور الحادثة حيث انتشرت صورة في وسائط التواصل لشاشة العربية - لست متأكدا من صحتها- تتهم الحوثيين بارتكاب المجزرة، أما الحوثيون فبدوا بتوظيف الدماء لصالحهم باستهداف معارضيهم ممن أسموهم «بالمرتزقة» وثالث يوم المجزرة عقدوا لقاء قبلياً، تم التوقيع فيه على ما يصفونها «وثيقة الشرف» وتنص صراحة على إهدار دماء من يعارضهم، واستباحة أموالهم ومنع التعاطف معهم في أخطر وأسوأ بنود تنذر بحدوث مذابح ومحارق وجرائم إبادة تتهيأ ميليشيا الانقلاب لتنفيذها».
التحالف يكرر النفي
من جهته ألتزم التحالف العربي بموقف الدفاع عن النفس، حيث خرج المتحدث باسم قوات التحالف العميد أحمد عسيري أكثر من مرة لينفي اتهامات الحوثيين، قيام طائرات التحالف بقصف للمدنيين.
وتكررت تصريحات العميد عسيري شكلاً ومضموناُ في كلا الحادثتين ( عرس سنبان بذمار، وعرس الواحجة بالمخ-تعز) .
حيث جاء في تصريحات العميد عسيري متحدث التحالف، والذي يعمل أيضاً مستشاراً في مكتب وزير الدفاع السعودي، نفي وجود أي عمليات جوية لقوات التحالف في مناطق وقوع الحادثتين بمحافظة ذمار والمخأ بتعز.
وقال العسيري:«إن كثيراً من التفجيرات تقع من دون مسؤولية التحالف عنها»، لافتاً إلى تخزين الحوثيين أسلحتهم في مواقع مدنية.
وأضاف عسيري في تصريحات سابقة : «ليس كل انفجار يقع في اليمن ناجماً عن غارة جوية. فهناك صواريخ وسيارات مفخخة ومخازن أسلحة»، مضيفاً: «خزّن الحوثيون غالبية أسلحتهم ومخازنهم في مناطق مدنية، وأي تلاعب فيها قد يؤدي إلى حوادث».
إيقاف مجزرة قبل وقوعها
في منطقة «المرجلة بني حملة» بمديرية خيران المحرق بمحافظة حجة، تمكن مواطنون من إفشال مخطط للحوثيين لأرتكاب مجزرة جديدة بقصف أحد الأعراس بالمنطقة .
وقال الصحفي بمحافظة حجة، محمد شوقي درمان، أن سكان محليون أفشلوا محاولة للحوثيين لإطلاق قذيفة على حفل زفاف في المنطقة .
وأضاف الصحفي لـ«مندب برس» أن مسلحين حوثيين كانوا يعدون لإطلاق قذيفة بعد صلاة عشاء يوم الخميس 15أكتوبر/تشرين أول المنصرم، على حفل الزفاف، وان مواطنين اكتشفوا هذه العملية، ما دفع الحوثيين إلى الفرار.
وأشار درمان إلى أن سكان المنطقة عبروا عن استيائهم من هذه المحاولة التي كادت ان تودي بقتلى وجرحى وتحول حفل الزفاف إلى مجزرة مروعة كما حدث في تعز وذمار قبل أسابيع.
وجاءت هذه الحادثة لتزيل الغموض الذي يلف حوادث استهداف حفلات زفاف في عدة مناطق بالجمهورية.
كما تكشف الحادثة الجهة التي تقف وراء قصف الأعراس في ذمار وتعز ومدن أخرى –حسب رأي الصحفي درمان.
موقف دولي ضعيف
وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول، اعتمد المجلس الأممي لحقوق الإنسان بالإجماع قرارا فيه العديد من العيوب، تجاهل مُطالبات بإجراء تحقيق دولي في الانتهاكات المتصاعدة في اليمن.
و كانت هولندا قد تقدمت بدايةَ بمشروع قرار يُخول بعثة الأمم المتحدة بتوثيق الانتهاكات التي ترتكبها كافة الأطراف منذ سبتمبر/أيلول 2014.
وواجه تحقيق الأمم المتحدة المُقترح معارضة علنية من العديد من أعضاء التحالف الذي تقوده السعودية ويقوم بعلميات عسكرية في اليمن، مثل قطر والبحرين ومصر والأردن والإمارات.
وجاء إقرار مجلس حقوق الإنسان لمشروع المجموعة العربية والذي ينص على دعم لجنة حقوق الإنسان اليمنية التي شكلها الرئيس هادي في 7 سبتمبر/أيلول وتضم في عضويتها 9 من رجال الحقوق والقانون الدولي .
إلا أن تلك اللجنة ومنذ إصدار قرار تشكيلها لم تقوم بأي تحقيقات بشأن الضحايا المدنيين الذين يسقطون في قصف جوي أو أرضي، خصوصاً أن اللجنة مكلفة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان منذ 2011 وحتى اليوم .
وبهذا فإن المجازر التي ارتكبت في عرس سنبان والمخأ ستسجل ضد مجهول وتقيد في سجلات وقف التنفيذ كون الأطراف المتصارعة لا تعير اهتمام لحياة المدنيين والأبرياء- حسب الحقوقيون .