الرئيسية / شؤون محلية / قصة من ساحة التغيير: أم أنس السعيدي تروي قصة مقتل طفلها
قصة من ساحة التغيير: أم أنس السعيدي تروي قصة مقتل طفلها

قصة من ساحة التغيير: أم أنس السعيدي تروي قصة مقتل طفلها

03 أكتوبر 2011 02:01 مساء (يمن برس)
قبل زيارتي لأسرة الشهيد الرضيع أنس السعيدي لمقابلة والدته، ارتسم في مخيلتي أنني سأقابل أماً حزينة مكلومة، لاتطيق الحديث، ومأتماً كبيراً يحيطه الحزن من كل اتجاه على فقيدهم الطفل الذي كان يملأ حياة أبويه ويملأ المنزل حياة وسعادة، وأهتز لمقتله اليمن.

لكني ذهلت عندما وجدت أماً صابرة محتسبة متعلمة لها من رباطة الجأش نصيب، ارتسمت على محياها البسمة عندما دخلنا بيتها ورحبت بنا بحرارة وكأنها علاقة حميمية تربطنا بها منذ زمن.

وجدتها أم حنون أغرقتنا في بحر من التفاصيل عن رضيعها الذي لم يتجاوز عمره ربيعا واحدا، لكنه كان أنشودة للربيع العربي، حدثتنا عنه كثيرا، عن حملها ووضعها به، عن ماذا يحب، وعن بداية تعليمه كيف ينطق «بابا»، «ماما».. حدثتنا عن أنس الحلم الذي أنتظروته ووالده ثمان سنوات.

عرفت حينها أن الأطفال بالنسبة للأخرين أرقام لكنهم بالنسبة لهم عالم بأسره، وأدركت حينها قدر الله الذي أختار هذه المرأة لأن تكون أم أصغر الشهداء الذي أغتيلت براءته على يد عصابة دموية لاتمت للأنسانية بصلة. إلى نص الحوار:

- كيف كانت الحادثة؟
كنت أنا وزوجي نشتري أدوات المدرسه لإبني لؤي، الذي يدرس في الصف الثالث الابتدائي من شارع الرقاص، سمعنا صوت رصاص كثيف يغمر المكان الذي كنا نتواجد فيه، في الوقت ذاته كان أنس ولؤي في السيارة بانتظارنا، أسرعنا نحوهما فوجدنا لؤي بجانب السيارة يصرخ بشدة "قتلوا أخي" تاركاً أنس يغرق بدمه في السيارة، شَخُص بصري من صعوبة المنظر وهولة، على الفور حضنه أبوه والدماء تسيل عليه وهو يصرخ «قتلوا ولدي».. لكن لامجيب.

لم يلتفت لنا أحد، وكأننا في المحشر، الناس مذعورين، والرصاص تتطاير هنا وهناك، أتذكر ساعتها أن الدنيا ضاقت بنا، وظللنا نحو ربع ساعة لا ندري ماذا نفعل.. بعد ذلك قمنا بإسعافه إلى المستشفى الميداني حيث تناوله الأطباء منا، محاولين إسعافه، لم يخطر ببالي ولو للحظة أنه سيفارق الحياة، ولكن بعد عشر دقائق أتو به محمولا، بعد أن لفظ أنفاسه الأخيره وما إن راه والده حتى أغمي عليه.

بينما أنا صدمت ولم أستطيع أن أنطق بكلمة سوى دعوات قلتها على من قتل ولدي، ونقلتها وسائل الإعلام المحيطة بنا.

- أي العاطفتين تغلبت عليك من هول المشهد الحزن الشديد أم الانتقام والحقد على القاتل؟
بصراحة غضب شديد سرى في دمي، كما حزنت كثيرا.

- النظام يقول بأن جيش الثورة هو من قتل أنس؟
(ردت باستنكار) كيف من يحمي الثورة يمكنه أن يقتل الأطفال أبرياء؟! الرصاصة جاءت من جهة الخلف والسيارة متجهة لجهة الجنوب، والرصاصة أتت من الجهة اللي فيها الحرس الجمهوري. ولو كانت الرصاصة أتت من جهة الرباط والساحة لقلنا في ذلك شك، وبعدا لايستبعد من بقايا النظام أن ينشر مثل هذه الأكاذيب ليتملص من المساءلة أمام الله وأمام الناس.

- مارسالتك لقاتل الأطفال وقاتل أنس؟
أقول للقناصة: هذا ماتدربتم عليه طوال السنين الماضيه.. هذا ما كتسبتموه من مهارات! استطعتم أن تطاردوا روح ولدي الطاهر البرئ.. ماذا شاهدت أعينكم فيه من خطر عليكم!

فليتخيل كل واحد منكم لو كان ولده وقتل أمام عينه وبهذه الطريقه الوحشه! ماذا سيكون موقفه؟ حسبي الله عليكم.. اتقوا الله وراجعوا موقفكم وأنفسكم قبل أن تندموا.

- هل تعرضت الأسرة للتهديدات والإغراءات من قبل النظام؟
حقيقة لم نتعرض بطريقة مباشرة لمعرفتهم بمدى إيماننا وإرتباطنا بثورتنا لكنهم حاولوا إغراء طفلي "لؤي" عندما كان خارج المنزل بإعطائه مبلغ مائة الف ريال مقابل أن يظهر في قنوات "سبأ" و"اليمن" وأن ينفي أن أنس أخوه، وينفي حدوث الجريمة. لكن لؤي بفطرته الصادقه رفض وأسرع هارباً للبيت، ومن ذلك الوقت أحاول أن يظل إبني بقربي خوفا من هؤلاء المجرمين.

- يقال أنك لم تكوني مع الثورة إلا من بعد إستشهاد أنس؟
هذا ليس صحيح. نحن من معارضين النظام الفاسد حتى من قبل قيام الثورة، ومن مؤيدين الثورة منذ إندلاعها.

- ما الذي فقدتيه برحيل أنس؟
(أخذت نفس طويل والدموع تنهمر من عينيها) رحيل أنس ليس شيئا سهلاً، فارقني قطعة من روحي إلى جنات الخلد، لكن ذكرياته لم تفارقني أراه أمام عيني في كل لحظة، افتقدت صوته وهو يناديني "ماما" افتقدت مداعبته، ابسامته، وحتى بكاؤه الذي يوقظني من نومي كل ليلة..

افتقدت أنس.. ليته يعود، وهي أمنيتي الوحيده، أضمه لصدري لأطفئ نار شوقي مرة واحدة فقط.

- ماذا تقولين للأمهات اللواتي يقفن مع صف النظام ولديهن أطفال مثل أنس؟
أقول لهن لايعرف الأمومة إلا من جربها، وأنتن تعرفين ماذا يعني أن تفقدي ولدك فجأة، وتجدينه مقتولا، أناشدكن الله أن تشعرين بما أشعربه، لوكان أنس ولدك هل ستقفي في صف من قتله؟! ثم هل على كل أم أن تفقد ولدها حتى تكون مع الثورة؟!

وكل عتبي على النساء اللاتي روجن لأكاذيب سبأ وقناة اليمن، وقلن أن هذا ليس بولدي وأنه مجرد دمية، وأنها مجرد تمثيلية، وغيرها من اشاعات الزور، هؤلاء هن شريكات للقتلة في وأد جريمة أنس.

- ماهي رسالتك لشباب الثورة في الساحات وكيف تنظرين للمسيرات المندده بقتل أنس في المحافظات؟
رسالتي للثوار: دم أنس أمانة في أعناقكم. وأدعوهم للاستمرار والتصعيد فإنهم منصورون بإذن الله على القتلة والمفسدين، وأقول أن دم ابني الطاهر أنس سيكون لعنة وزلزال على قتلته.. والله غالب على أمره.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

خاتمة
ختمت أم أنس حديثها معنا حينما سألناها عن سر قوتها وثباتها في هذه المصيبة حين كان ردها ولسانها لايفتر عن قول «الحمدلله» بين كل كلمة وأخرى قالت: منذ وقوع الحادثة وأنا أردد "اللهم أعطني الصبر وثبتني كثبات الجبال".

وأضافت أنا مؤمنة بالقضاء والقدر لكني تألمت كثيرا من بشاعة القتل التي تعرض لها ابني، ويصعب علي وعلى كل من رأى وسمع نسيان هذه البشاعة.

وأردفت: أنس سيظل حاضرا في ذهني.. أنس حي لم يمت، حي على مدار التاريخ، وهو وسام شرف وفخر لنا، ووصمة عار على عصابة صالح التي تسمي نفسها نظاماً.

وفي الأخير أخذت أم أنس ترينا بعض العاب ولدها الشهيد، وملابسه، وصوره، وبعض مقاطع الفيديو له، ثم ودعتنا وهي تقول أن فراق أنس سيظل "حُرقة" في قلبها مدى عمرها.
شارك الخبر