ظل نظام الرئيس علي عبدالله صالح وفقا للتقارير الأممية، النظام الأكثر ضعفا والأوشك سقوطا، وتم اعتبار اليمن في السنوات الأخيرة في مصاف الدول الفاشلة.. مع هذا توشك الثورة الشعبية ضده أن تدخل شهرها الثامن ولايزال صالح يحكم البلاد من سرير نقاهته بالعاصمة السعودية الرياض.. فما أسباب هذا الصمود السلطوي وهذا التعثر الثوري؟
هل كانت التقارير الأممية على خطأ؟ أم أن إصرار قوى التغيير في اليمن على طابع السلمية هو السبب؟ أم الخلل يكمن في قوى التغيير نفسها وطريقة إدارتها للأحداث؟ أم بيئة التغيير هي السبب؟ أم أن الجوار الإقليمي والمحيط الدولي يقف عائقا أمام التغيير في اليمن؟
لا يحتاج المتابع للشأن اليمني أن يستخلص بسهولة أن نظام صالح هو أضعف من أن يقارن بنظام مبارك في مصر أو بن علي في تونس أو القذافي في ليبيا. ولكن رغم هشاشة النظام إلا أنه صمد فترة أطول من نظرائه وإن كان غاربا لا محالة.
يمكن إجمال الأسرار الواقفة وراء هذا التأخر في اليمن إلى بضعة عوامل هي:
- أن ضعف النظام كان، من زاويةٍ ما، أحد أسرار صموده لأن عامل المرونة والمراوغة كامنة فيه أكثر من غيره من الأنظمة القوية التي تتسم بطابع الصرامة وتسقط دون تدرُّج.
- أن إصرار قوى التغيير في اليمن على طابع السلمية هو فعلا أحد عوامل امتداد الحالة الثورية دون إزاحة النظام بشكل كامل.
- أن هناك متاحا من حرية التعبير وحق التشكُّل وفرها النظام وتلازمت مع استعادة وحدة اليمن 1990 الأمر الذي اختلطت فيه الحالة الثورية بالحالة الانتخابية التنافسية التي شهدها اليمن مرارا، ولهذا احتشد أنصار الحزب الحاكم كما لو أنهم يواجهون تحديا انتخابيا.. ولهؤلاء خبرة في جمع الحشود التي شكلت ما بات يعرف بالثورة المضادة. كذلك فإن دواعي التغيير هو ضد الفوضى والتدهور والإقصاء "الانتخابي" والتوريث والتمديد وليست ثورة لنيل حرية التعبير وحق التشكُّل، ما جعلها أقل عدوانية للنظام، كما وفر للنظام ردودا إعلامية لدحض الثورة. كما أن وجود حالة حزبية وقوى معارضة في اليمن مكّن النظام من محاولة تصوير الثورة على أنها أزمة سياسية وليست ثورة شعبية بدأت من الشارع وقادها الشباب وانضمت أحزاب المعارضة لها بعد انطلاقها بأسابيع ليست قليلة. إلى ذلك فإن تكون الثورة من شباب وأحزاب ثم جيش انضم إليهما، هذا الكشكول أغرى النظام بإحداث وقيعة بين هذه المكونات وقام بحملات محمومة لإيهام الشباب أن ثورتهم سُرقت منهم.. لكن هذا الطرح لم يترك الأثر المتوخى منه.
- أن النظام عمد الى إخماد ثورة التغيير بوسيلتين: التحايل السياسي والقمع الميداني.. ولم يكرر تجربة النظام في مصر وتونس حينما اقتصرا على القمع الميداني والتحجر السياسي.. وهذا التحايل أكسبه المزيد من الوقت.
- إصابة الرئيس في تفجير استهدفه وكبار معاونيه في مسجد تابع لمجمع الرئاسة مطلع يونيو الماضي كان لها دور في توقف عجلة الأمور شهرين أو أكثر.. ذلك الحادث الذي لم تستكمل فيه التحقيقات حتى اليوم، ويحاول بعض متحدثي النظام استغلال الحادث وقذف المعارضة وقوى التغيير الى شباك الاتهام.
- ارتكب الخطاب الاعلامي لقوى التغيير أخطاء عدة في بداية الثورة أدت الى التفاف بعض الأطراف الى جانب صالح خشية ألا تجد لها موطئا في العهد القادم.. لكن قوى التغيير استدركت لاحقا هذه الأخطاء بشكل ملحوظ.
- التهديد الجدي من قبل النظام بإشعال حرب أهلية أُخذ في الاعتبار من قبل قوى التغيير وبقية أبناء المجتمع وكذا من قبل الدول العربية والغربية المعنية بأمن اليمن ما جعل كل هؤلاء يفضلون انفاق مزيد من الوقت مقابل تجنب احتمال نشوب الحرب الأهلية.
- وجود فصيل منضوٍ في صفوف التغيير مثقل بعدائه لأطراف تترأس المشهد الثوري يعمل للحيلولة دون أن يفضي التغيير الى توفير مواقع أفضل لهذه الأطراف في المعادلة القادمة.. ولهذا يقوم بالتعويق والتخذيل والإرباك والتعبئة داخل الساحات ضد أطراف التغيير أكثر من تعبئته ضد النظام.. ويمثل أتباع تنظيم الحوثي سواد هذا الفصيل الذي عمل منذ انضمام القائد العسكري علي محسن الأحمر (قائد مواجهات تمرد الحوثي في صعدة 2004 - 2010) إلى الثورة، على التشكيك في حقيقة انضمامه والتخويف من أيلولة الأمور إليه وإلى حزب الإصلاح، وأدى حرص هذين الأخيرين على عدم الانجرار وراء خروقات هذا الفصيل الى استمراره في تأدية دوره المثبط بجرأة صارخة استفادت منها أجهزة النظام. وهناك من يرى استحالة نجاح الثورة وانتقالها باليمن لوضع إذا ظلت قوى الثورة توفر الغطاء السياسي لهذا الفصيل المدجج بسلاح ثقيل وتنظيم مسلح خارج نطاق القانون يسيطر بواسطته على محافظة ونصف على حدود السعودية.
- أخيرا، عدم توفر الإجماع الثوري على قيادة واضحة وعدم استقرار المجموع الثوري على مجلس بعينه بحيث تغدو هذه القيادة وهذا المجلس هما العقل غير المشوش الذي يقود الثورة واليمن إلى بر الأمان. وهذا ما حدث على سبيل المثال في الحالة الليبية حيث لم يقل أحد من الثوار إن مصطفى عبد الجليل كان واحدا من رجالات النظام كما قيل في الحالة اليمنية عن اللواء علي محسن وكثير من المنضمين! فقوى التغيير في اليمن لا هي عملت بالنموذج الليبي في الإجماع ولا هي أخذت بالنموذج المصري الذي حرص فيه الجميع على عدم التصدر وظل الشارع يقود نفسه بلا أسماء واضحة ولا زعامات معلنة.
إلى ذلك وقعت التكوينات الثورية في فخ المزايدات الناجمة عن ذهنية التحاصص المناطقي والتواجد الحرفي لتمثيل القوى ضمن مجلس الثورة، كما حدث مع انسحاب 23 شخصية من محافظات الجنوب، الأمر الذي حال دون اشتمال المجلس على الكفاءات القيادية اللازمة في هذه المرحلة (المؤقتة)، وجعله متضخما بالأسماء خاليا من الفاعلية الميدانية، كما أنه مُني بانسحابات أليمة، واقتصرت مهمته مؤخرا على إصدار البيانات وليس قيادة قطار الثورة إلى نقطة الوصول.
خلاصة القول إن التعويل على أخطاء النظام وخطاياه، وهشاشة بُناه، لا يكفي وحده لإجباره على التنحي وإفساح المجال لغيره.. بل يتطلب الأمر التنبه لمواضع التعثر والتجرد الصادق من حب المناصب أثناء أو بعد الثورة، والإجماع على قيادة كفؤة مصغرة تستطيع التواصل فيما بينها، وتستولد القرار الصائب في الوقت السليم.. وحينئذٍ بإمكان الزمن أن يدور بسرعة مذهلة ونجد أنفسنا في صبح يمنٍ جديد، وقيادة جديدة يبتليها الله سبحانه بتمكينها في الحكم حينا من الزمن، ليرى أتُصلح أم تكون من المفسدين الذين تجري عليهم سُنّةٌ لا تتبدل.
عادل الأحمدي
هل كانت التقارير الأممية على خطأ؟ أم أن إصرار قوى التغيير في اليمن على طابع السلمية هو السبب؟ أم الخلل يكمن في قوى التغيير نفسها وطريقة إدارتها للأحداث؟ أم بيئة التغيير هي السبب؟ أم أن الجوار الإقليمي والمحيط الدولي يقف عائقا أمام التغيير في اليمن؟
لا يحتاج المتابع للشأن اليمني أن يستخلص بسهولة أن نظام صالح هو أضعف من أن يقارن بنظام مبارك في مصر أو بن علي في تونس أو القذافي في ليبيا. ولكن رغم هشاشة النظام إلا أنه صمد فترة أطول من نظرائه وإن كان غاربا لا محالة.
يمكن إجمال الأسرار الواقفة وراء هذا التأخر في اليمن إلى بضعة عوامل هي:
- أن ضعف النظام كان، من زاويةٍ ما، أحد أسرار صموده لأن عامل المرونة والمراوغة كامنة فيه أكثر من غيره من الأنظمة القوية التي تتسم بطابع الصرامة وتسقط دون تدرُّج.
- أن إصرار قوى التغيير في اليمن على طابع السلمية هو فعلا أحد عوامل امتداد الحالة الثورية دون إزاحة النظام بشكل كامل.
- أن هناك متاحا من حرية التعبير وحق التشكُّل وفرها النظام وتلازمت مع استعادة وحدة اليمن 1990 الأمر الذي اختلطت فيه الحالة الثورية بالحالة الانتخابية التنافسية التي شهدها اليمن مرارا، ولهذا احتشد أنصار الحزب الحاكم كما لو أنهم يواجهون تحديا انتخابيا.. ولهؤلاء خبرة في جمع الحشود التي شكلت ما بات يعرف بالثورة المضادة. كذلك فإن دواعي التغيير هو ضد الفوضى والتدهور والإقصاء "الانتخابي" والتوريث والتمديد وليست ثورة لنيل حرية التعبير وحق التشكُّل، ما جعلها أقل عدوانية للنظام، كما وفر للنظام ردودا إعلامية لدحض الثورة. كما أن وجود حالة حزبية وقوى معارضة في اليمن مكّن النظام من محاولة تصوير الثورة على أنها أزمة سياسية وليست ثورة شعبية بدأت من الشارع وقادها الشباب وانضمت أحزاب المعارضة لها بعد انطلاقها بأسابيع ليست قليلة. إلى ذلك فإن تكون الثورة من شباب وأحزاب ثم جيش انضم إليهما، هذا الكشكول أغرى النظام بإحداث وقيعة بين هذه المكونات وقام بحملات محمومة لإيهام الشباب أن ثورتهم سُرقت منهم.. لكن هذا الطرح لم يترك الأثر المتوخى منه.
- أن النظام عمد الى إخماد ثورة التغيير بوسيلتين: التحايل السياسي والقمع الميداني.. ولم يكرر تجربة النظام في مصر وتونس حينما اقتصرا على القمع الميداني والتحجر السياسي.. وهذا التحايل أكسبه المزيد من الوقت.
- إصابة الرئيس في تفجير استهدفه وكبار معاونيه في مسجد تابع لمجمع الرئاسة مطلع يونيو الماضي كان لها دور في توقف عجلة الأمور شهرين أو أكثر.. ذلك الحادث الذي لم تستكمل فيه التحقيقات حتى اليوم، ويحاول بعض متحدثي النظام استغلال الحادث وقذف المعارضة وقوى التغيير الى شباك الاتهام.
- ارتكب الخطاب الاعلامي لقوى التغيير أخطاء عدة في بداية الثورة أدت الى التفاف بعض الأطراف الى جانب صالح خشية ألا تجد لها موطئا في العهد القادم.. لكن قوى التغيير استدركت لاحقا هذه الأخطاء بشكل ملحوظ.
- التهديد الجدي من قبل النظام بإشعال حرب أهلية أُخذ في الاعتبار من قبل قوى التغيير وبقية أبناء المجتمع وكذا من قبل الدول العربية والغربية المعنية بأمن اليمن ما جعل كل هؤلاء يفضلون انفاق مزيد من الوقت مقابل تجنب احتمال نشوب الحرب الأهلية.
- وجود فصيل منضوٍ في صفوف التغيير مثقل بعدائه لأطراف تترأس المشهد الثوري يعمل للحيلولة دون أن يفضي التغيير الى توفير مواقع أفضل لهذه الأطراف في المعادلة القادمة.. ولهذا يقوم بالتعويق والتخذيل والإرباك والتعبئة داخل الساحات ضد أطراف التغيير أكثر من تعبئته ضد النظام.. ويمثل أتباع تنظيم الحوثي سواد هذا الفصيل الذي عمل منذ انضمام القائد العسكري علي محسن الأحمر (قائد مواجهات تمرد الحوثي في صعدة 2004 - 2010) إلى الثورة، على التشكيك في حقيقة انضمامه والتخويف من أيلولة الأمور إليه وإلى حزب الإصلاح، وأدى حرص هذين الأخيرين على عدم الانجرار وراء خروقات هذا الفصيل الى استمراره في تأدية دوره المثبط بجرأة صارخة استفادت منها أجهزة النظام. وهناك من يرى استحالة نجاح الثورة وانتقالها باليمن لوضع إذا ظلت قوى الثورة توفر الغطاء السياسي لهذا الفصيل المدجج بسلاح ثقيل وتنظيم مسلح خارج نطاق القانون يسيطر بواسطته على محافظة ونصف على حدود السعودية.
- أخيرا، عدم توفر الإجماع الثوري على قيادة واضحة وعدم استقرار المجموع الثوري على مجلس بعينه بحيث تغدو هذه القيادة وهذا المجلس هما العقل غير المشوش الذي يقود الثورة واليمن إلى بر الأمان. وهذا ما حدث على سبيل المثال في الحالة الليبية حيث لم يقل أحد من الثوار إن مصطفى عبد الجليل كان واحدا من رجالات النظام كما قيل في الحالة اليمنية عن اللواء علي محسن وكثير من المنضمين! فقوى التغيير في اليمن لا هي عملت بالنموذج الليبي في الإجماع ولا هي أخذت بالنموذج المصري الذي حرص فيه الجميع على عدم التصدر وظل الشارع يقود نفسه بلا أسماء واضحة ولا زعامات معلنة.
إلى ذلك وقعت التكوينات الثورية في فخ المزايدات الناجمة عن ذهنية التحاصص المناطقي والتواجد الحرفي لتمثيل القوى ضمن مجلس الثورة، كما حدث مع انسحاب 23 شخصية من محافظات الجنوب، الأمر الذي حال دون اشتمال المجلس على الكفاءات القيادية اللازمة في هذه المرحلة (المؤقتة)، وجعله متضخما بالأسماء خاليا من الفاعلية الميدانية، كما أنه مُني بانسحابات أليمة، واقتصرت مهمته مؤخرا على إصدار البيانات وليس قيادة قطار الثورة إلى نقطة الوصول.
خلاصة القول إن التعويل على أخطاء النظام وخطاياه، وهشاشة بُناه، لا يكفي وحده لإجباره على التنحي وإفساح المجال لغيره.. بل يتطلب الأمر التنبه لمواضع التعثر والتجرد الصادق من حب المناصب أثناء أو بعد الثورة، والإجماع على قيادة كفؤة مصغرة تستطيع التواصل فيما بينها، وتستولد القرار الصائب في الوقت السليم.. وحينئذٍ بإمكان الزمن أن يدور بسرعة مذهلة ونجد أنفسنا في صبح يمنٍ جديد، وقيادة جديدة يبتليها الله سبحانه بتمكينها في الحكم حينا من الزمن، ليرى أتُصلح أم تكون من المفسدين الذين تجري عليهم سُنّةٌ لا تتبدل.
عادل الأحمدي