تباينت آراء وردود فعل خبراء ومختصين وصحفيين مهتمين بالشأن البيئي والسياحي في اليمن تجاه قرار إعلان أرخبيل سقطرى محافظة يمنية جديدة، فبينما اعتبر البعض القرار استراتيجياً لتطوير المحافظة كوجهة سياحية مهمة في البلاد، يخشى آخرون من خطورة ذلك وتداعياته على التنوع الطبيعي والبيئي في سقطرى.
في الثامن عشر من ديسمبر الماضي صدر القرار الجمهوري من القانون رقم (31) لسنة 2013م بإنشاء محافظة أرخبيل سقطرى وعاصمتها حديبو، وتتكون المحافظة من جزر: سُقطْرى، درسة، عبد الكوري, صيال عبد الكوري, سمحة, صيال سقطرى. وكذا من الصخـــــــــور: صيرة، ردد, عدلة, كرشح, صيهر, ذاعن ذتل, جالص، وتنقسم المحافظة إدارياً إلى مديريتي، حديبو، ومركزها حديبو، ومديرية قلنسية وعبد الكوري، ومركزها قلنسية.
كارثة بيئية مدمرة
يقول مستشار الفنون البصرية بوزارة الثقافة الخبير في الشأن البيئي والفنون البصرية، عبدالرحمن الغابري: أنا خائف على ما سيحدث بسقطرى إذا تم إعلانها محافظة بالشكل أو النمط الموجود حالياً للمحافظات اليمنية التي تبعث بكل ما يضر بالبيئة، وتابع: نحن قابلين أنها تكون محافظة لكن بشروطها بالتخصص البيئي، بشروط سقطرى كونها تمتلك من الموروث البيئي والثقافي النادر عالميا».
وحول أبرز التداعيات المحتملة من إعلان سقطرى محافظة، قال الغابري: «يوجد في سقطرى مئات الأنواع من الأشجار النادرة في العالم، أنت اذا خسرت شجرة أنت تخسر ثروة هائلة هذه كارثة كارثة كبرى...».
ويؤكد الغابري أن التعامل مع سقطرى مثلها مثل بقية المحافظات وعدم مراعاة خصوصيتها من شأنه أن يتسبب بكارثة بيئية كبيرة ستدمر الجزيرة، «بناء المكاتب دون فائدة والشقق والفلل والدكاكين والأسواق.. والأسوار العالية تكبر على حساب الشجر، هذه ستدمر جزءاً كبيراً من الأشجار»، قال الغابري.
لذلك يطالب الخبير البيئي، عبدالرحمن الغابري، بضرورة تعيين محافظ لسقطرى خريج متخصص أو ذي خبرة في المجال الزراعي أو البيئي أو خبير سياحي، وكالمثل يتم تعيين الإدارة والمستشارين، التي يرى أنهم (يقصد الشريحة التي تعمل في هذه التخصصات) الأكثر حرصاً على البيئة المتفردة والمتنوعة في سقطرى.
أكثر المناطق غرابة
تقع محافظة أرخبيل سقطرى الشهيرة بـ «عذراء اليمن الفاتنة» في عمق المحيط الهندي بالقرب من خليج عدن، وهي أكبر الجزر اليمنية، وصنفت في العام 2008م كأحد مواقع التراث العالمي، ولُقبت بأكثر المناطق غرابة في العالم، نظراً لتنوعها الحيوي الفريد وأهميتها البيئية، إذ تشير التقديرات بأن أكثر من 35 بالمائة من أنواع النباتات (من أصل مايزيد عن 750 نوعاً) ومن 90 إلى 95 بالمائة من أنواع الزواحف والحلزونيات البرية المتواجدة في الأرخبيل غير موجودة في أي مناطق أخرى من العالم، بالإضافة إلى احتوائها على نسبة عالية من الطيور المستوطنة، فضلا عن تنوع كبير في الحياة البحرية..
وقد ظلت سقطرى طوال عصور محمية من أي تدخلات سلبية الأمر الذي يخشاه الكثيرون من قرار إعلانها محافظة جديدة، غير أن الحكومة اليمنية ترى في هذا القرار تمييزا لمكانة سقطرى.
يقول مدير عام التقسيم الإداري في وزارة الإدارة المحلية، مهدي العباسي: «أن تكون سقطرى محافظة مستقلة نظرا لما تتمتع به من تنوع فريد في جانب البيئة وأهمية استراتيجية من حيث الموقع والطبيعة ولبعدها عن اليمن حيث تبعد حوالي 500 كيلو متر من ساحل المكلا، حرصا من القيادة السياسية بأن تكون لها الأولية في التنمية كان ذلك القرار الحكيم بإعلانها محافظة ليتم الاهتمام بها اقتصاديا وبيئيا واجتماعيا...».
وأضاف المسؤول الحكومي مهدي العباسي، الذي يقول أن مساحة الأرخبيل يقارب 3880 كيلو متر مربع: «ليست مثل بقية المحافظات، سقطرى لها قانون خاص بها تضمن بنوداً ومواد من شأنها عدم المساس بسقطرى كمكون بيئي أو الاعتداء على تراثها، القانون ينظم عملية البناء والاستثمار والسياحة (...) بالاستفادة من بعض التجارب العالمية مثل الجزر في ماليزيا وإندونيسيا وغير ذلك».
توصيات برلمانية
منتصف ديسمبر الماضي وجه مجلس النواب الحكومة اليمنية في الجلسة التي أقر بها مشروع قانون إنشاء محافظة سقطرى، بعدد من التوصيات، التي أعلن الجانب الحكومي ممثلاً بنائب وزير الإدارة المحلية عبد الرقيب سيف فتح، التزام الحكومة بها، وتتضمن مطالبة الحكومة باستكمال البنية التحتية للأرخبيل والمنشئات الخدمية والتنموية والسياحية، كي تتمكن السلطة المحلية بالمحافظة أداء المهام المنوطة بها، كما ركزت تلك التوصيات على الاهتمام بالجانب البيئي للأرخبيل، وعدم تنفيذ أي مشروع أو نشاط حتى إجراء دراسة للأثر البيئي الذي قد تسببه تلك النشاطات والمشاريع.
وأكدت سرعة تنفيذ مشروع شبكة الصرف الصحي وإنشاء محطة لمعالجة المخرجات حفاظاً على سلامة البيئة، والحفاظ على أراضي الأرخبيل وعدم بيعها، وتحديد المواقع السياحية والاستثمارية والمحميات الطبيعية والعناية بها وإدارتها بطرق علمية، بالإضافة إلى الاهتمام بالمواطنين المحليين وبيئتهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم.
يقول الصحفي المتخصص في الشأن السياحي والبيئي، عبدالباسط النوعة: «نحن ومجموعة من الزملاء قمنا بزيارة إلى سقطرى قبل حوالي 6 أشهر وعلى اثرها كونا رابطة صحفيين من أجل سقطرى، وجدنا في سقطرى تنوعاً طبيعياً وحيوياً وبيئياً يستحيل وصفه أو أن يتكرر في أي موقع أو مكان آخر..».
لكن الدولة تكاد تكون شبه غائبة عن الأرخبيل، «اذا زرت سقطرى تشعر وكأنك في منطقة غير يمنية، الجزيرة مهملة (يقصد من الناحية التنموية) أو بمعنى أصح لا ينظر إليها لا يتم الاهتمام بها، وكل شيء موجود فيها ومحافظ عليه»، قال الصحفي النوعة.
وتابع عبدالباسط النوعة:«نخشى مع إعلانها محافظة أن يتم الالتفات إليها فيزيد معها وتيرة الاعتداءات على الأراضي من قبل ناهبي الأراضي وأصحاب المشاريع والمصانع والمحلات، التي ممكن أن تؤثر على البيئة؛ ما يهمنا هو البيئة الموجودة نحن نريد سقطرى أن تظل كما هي...».
أفاق واعدة للتطوير
غير أن رئيس جمعية الكتاب السياحيين اليمنيين ياسين التميمي، لا يرى أي مخاوف: «هذا قرار استراتيجي وجاء في الوقت المناسب، لا أرى أي مبرر للمخاوف التي يظهرها البعض من إعلان سقطرى محافظة، في اعتقادي أن الخصوصية السياحية والبيئية لأرخبيل سقطرى تستدعي هذا النوع من تطوير الهيكلية الإدارية على مستوى الدولة».
وأضاف التميمي: «في اعتقادي أن إعلان سقطرى كمحافظة من شأنه أن يفتح آفاقاً واعدة لتطوير المحافظة والارخبيل كوجهة سياحية مهمة في البلاد، ولتطوير التدخلات أيضاً التي من شأنها أن تحمل الخصوصية الاستثنائية لسقطرى كمنطقة بيئية فريدة على مستوى العالم».
اختبار صعب للحكومة
ومهما يكن من أمر فإن الحكومة اليمنية أمام اختبار صعب وليس أمامها سوى النجاح بدءاً من جعل أرخبيل سقطرى محافظة آمنة في كل الأحوال.