"يجب على اليمن أن تقهر الفساد لإنقاذ الفقراء".. تحت هذا العنون نشرت شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية تقريراً مطولاً عن الوضع في اليمن, حيث ركز التقرير على الحوار الجاري والمأمول منه، مشيراً إلى أن مؤتمر الحوار يهدف إلى سد الفجوة بين النخبة العسكرية والقبلية الصغيرة في البلاد والناس العاديين الفقراء الذين يجب أن يُسمع لصوتهم. مؤكدا ـ في الوقت ذاته ـ أن شعب اليمن الفقير ليس لديه الكثير من المندوبين في مؤتمر الحوار, وأن هناك الكثير لا يعرفون ـ حتى الآن ـ ما هو الحوار, وبدلا من ذلك، فهم يسعون جاهدين لكسب ما يكفي من المال حتى يشتروا أكلا به.
وقال التقرير: إذا تم تشكيل الحكومة المقبلة في البلاد من أعضاء النخبة الذين استفادوا من نظام الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح، وهذا يبدو مرجحا بشكل متزايد، فإنه من غير المرجح أن تتحسن أوضاع الفقراء في أي وقت قريب.
مشكلة الفقر في اليمن ليست جديدة, وحتى قبل الأزمة السياسية في 2011، كان أكثر من 40 بالمائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر, في حين أن أكثر من ثلث السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 18-25 سنة كانوا عاطلين عن العمل.
الاحتجاجات وأعمال العنف بين أعضاء النخبة والفراغ الأمني في عام 2011 تسببت في دفع الاقتصاد الضعيف أصلا إلى الانهيار.. ووفقا لدراسة أعدتها الحكومة اليمنية ومنظمات دولية، فإن أكثر من نصف سكان البلاد عاشوا تحت خط الفقر بحلول نهاية عام 2011.
وذكر التقرير أن الوضع قد استقر منذ 2011، بفضل تدفق الملايين من الدولارات من المساعدات الإنسانية إلى البلاد، وهذا يعني أن أزمة الجوع سيتم السيطرة عليها على الأقل لمدة عام أو عامين، لكن ليس مرجحا أن تتحسن مستويات المعيشة بين الفقراء إلى حد كبير في المستقبل القريب.. خاصة مع نمو سكان اليمن بمعدل 2.3 بالمائة سنويا (وفقا للبنك الدولي) ونضوب النفط الذي يمثل 70 بالمائة من الإيرادات الحكومية، فإن اقتصاد اليمن بحاجة إلى هزة كبيرة.
وأضاف التقرير: تحتاج الحكومة أن تقلل اعتمادها على النفط وتساعد في بناء اقتصاد متنوع الذي سيوفر مجموعة واسعة من فرص العمل لليمنيين، والذي بدورهم يجب أن يكونوا أفضل تعليما وأحسن صحة، على الرغم أن أكثر من ثلثي جميع البالغين اليمنيين هم أميون.
تم بحث بعض هذه القضايا خلال مؤتمر الحوار: إحدى مجموعات العمل في مؤتمر الحوار الوطني والمعنية بعمل توصيات على الحقوق الأساسية لليمنيين طالبت في يوليو من الدولة توفير ـ على الأقل ـ مستوى أساسي من التعليم والرعاية الصحية جنبا إلى جنب مع معاشات الرعاية الاجتماعية المكفولة لفقراء البلاد.
لكن السؤال الآن هو كيف ستدفع الحكومات في المستقبل لأي توسع في الخدمات الحكومية ومعاشات الرعاية الاجتماعية؟.. في 2013، مررت الحكومة الانتقالية في البلاد ليس فقط أكبر ميزانية في تاريخ اليمن بل أيضا أكبر عجز لها، بحوالي 3.2 مليار دولار.
ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن معظم حزمة الإنفاق البالغة 12.9 مليار دولار تذهب إلى الأجور والنفقات العامة، مع دعم المشتقات النفطية على وجه الخصوص الذي يكلف الحكومة 3.5 مليار دولار، أو 8.5 بالمائة من إجمالي الناتج الاقتصادي في عام 2013.
هذا النوع من العجز ـ الذي تعاني منه الحكومة ـ لا يمكن ببساطة تحمله على المدى الطويل، خصوصا إذا استمر إنتاج النفط في الانخفاض. إن هبوط إنتاج النفط لا يضرب فقط الإيرادات الحكومية، بل يضرب حجم العملات الأجنبية القادمة إلى اليمن، التي تساعد في دعم قيمة الريال اليمني ودفع فاتورة وإيرادات البلاد، فاليمن تعتمد بشكل كبير على الاستيراد: فهي تستورد نحو 95 بالمائة من القمح و100 بالمائة من الأرز، الذين يمثلان ركائز النظام الغذائي في اليمن وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة.
وأوضح التقرير أن انخفاض قيمة الريال من شأنه رفع تكاليف المعيشة، مما يضر بمستويات المعيشة بين الفقراء أكثر من الوقت الراهن, وأنه لا توجد حلول سريعة لهذه المشاكل.
ورأى التقرير أنه من الجيد البدء في رفع الدعم عن المشتقات النفطية.. حيث أشار صندوق النقد الدولي في مذكرته الأخيرة على اليمن، إلى أن هذا الدعم "يخلق تشوهات اقتصادية كبرى ويوفر فرص للفساد",. مؤكداً أن أغنياء اليمنيين هو المستفيدون ـ بشكل رئيسي ـ من دعم المشتقات النفطية، حيث يستهلكون معظم الوقود والكهرباء ويشجعون على الاستهلاك غير الضروري وخلق فرصا ضخمة للتهريب.
ونوه التقرير إلى أنه كلما كانت هناك محاولة لزيادة تكلفة الوقود وإعادة توجيه الإنفاق نحو الفقراء، تجد مقاومة كبيرة من قوى سياسية واقتصادية وقبلية نافذة, وذلك لأن المشاكل الاقتصادية في اليمن هي في الأصل مشاكل سياسية.. معتبراً أي إجراء للإصلاحات مثل خفض الدعم عن المشتقات النفطية يتعارض مع مصالح النخبة لذلك من المستحيل تنفيذها. وقال التقرير: إن مستويات الفساد الموجود في اليمن لن تضر البلاد تماما وبشكل سيء للغاية إذا ما تم إنفاق العائدات داخل البلاد, لكن الأمور لا تيسير على هذا النحو, فأعضاء النخبة اليمنية استثمروا أموالهم في الخارج في عقارات ومشاريع أخرى أو يتركوها في أماكن سرية بعيدا عن أعين المتطفلين من الجمهور اليمني.
وأكد التقرير أنه عندما يتم إجراء الانتخابات في عام 2014، من المرجح أن نفس الأشخاص ـ الذين شاركوا في نظام محسوبية وفساد صالح ـ سيتولون المناصب من جديد، الأمر الذي من شأنه سيجعلهم يواصلوا التحفيز وفقا للمصلحة الشخصية بدلا من أي إحساس بمصلحة البلاد العظمى.
وأشار إلى أنه على الرغم من التصريحات حول المرحلة الانتقالية، فهم لا يزالوا يسيطرون على الحكومة والجيش والقبائل والجزء الأكبر من الموارد الاقتصادية في اليمن.
وفي الوقت ـ الذي لم يستبعد التقرير ظهور وجوه جديدة ـ لكن قدرتها على تنفيذ هذا النوع من الإصلاحات الاقتصادية التي تحتاج إليها اليمن سيكون محدودا للغاية، مثلما أصبح ذلك واضحا على مدار الفترة الانتقالية بوجود حكومة وحدة وطنية تحقق القليل في طريق الإصلاحات.
واختتم التقرير بتحليله للوضع في اليمن بالقول: بينما تأتي الفترة الانتقالية إلى نهايتها خلال الأشهر المقبلة وإجراء انتخابات جديدة، من المرجح أن تكون هناك درجة من تهنئة النفس بين أولئك الذي صاغوا الاتفاقية التي أدت إلى تنحي صالح في نوفمبر 2011، تجنبا لحرب أهلية كانت محتملة,
لكن إذا حالف العملية الانتقالية النجاح، فإن احتياجات الناس العاديين يجب أخذها بعين الاعتبار, ويجب دعم الناشطين الذين خرجوا إلى الشوارع طوال عام 2011 في سعيهم للحصول على حكم أكثر شفافية وخاضعا للمحاسبة, لذلك، يجب أن يتم سماع صوت الفقراء في اليمن.
ويأتي هذا التقرير تزامناً مع عودة الدكتور/ محمد السعدي ـ وزير التخطيط اليمني ـ وصخر الوجيه ـ وزير المالية ـ إلى اليمن، بعد أن كانا في زيارة رسمية للولايات المتحدة التقيا خلالها بالمسؤولين في مؤسستي صندوق النقد والبنك الدوليين، وهما مؤسستان تعنيان بمساعدة الدول الفقير على أسس محاربة الفساد وشبكات المحسوبية ووفق شروط أيضا تعد غالباً مجحفة للدول الفقيرة.. حيث تقدمان هاتان المؤسستان المساعدات والقروض وتضع شروطا، من بينها عدم تشغيلها في الجانب الصناعي الذي يوفر إيرادات لتلك الدول بصورة دائمة وتحل مشاكل جزء من البطالة والفقر.
*أخبار اليوم