الرئيسية / مال وأعمال / عاجل: البنك المركزي اليمني يواجه معركة مصيرية... هل ينجو من تصدع الشرعية أم ينهار معها؟
عاجل: البنك المركزي اليمني يواجه معركة مصيرية... هل ينجو من تصدع الشرعية أم ينهار معها؟

عاجل: البنك المركزي اليمني يواجه معركة مصيرية... هل ينجو من تصدع الشرعية أم ينهار معها؟

نشر: verified icon مروان الظفاري 27 ديسمبر 2025 الساعة 09:30 مساءاً

تصدعات داخلية غير مسبوقة تهدد آخر مؤسسة سيادية موحدة في اليمن، بعدما تجاوزت الأزمة الانقسام التقليدي بين الشرعية والحوثيين لتدخل طوراً أخطر من التفكك داخل معسكر الشرعية ذاته.

وسط هذه العاصفة المدمرة، يقبع البنك المركزي اليمني في قلب معضلة سياسية واقتصادية معقدة تتخطى حدود الأزمات التقليدية. فمنذ انتقال المؤسسة النقدية إلى عدن عام 2016، تحمّلت أعباء جسيمة: حرب دائرة، اقتصاد محطم، موارد نادرة، وشرخ مالي عميق بين سلطتين متنازعتين.

لكن التطورات المستجدة كشفت عن مأزق أعمق، خاصة مع التحركات العسكرية والسياسية التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظات حضرموت والمهرة، مصحوبة بتوتر علاقاته مع المملكة العربية السعودية والحكومة المعترف بها دولياً، إضافة إلى مغادرة رئيس مجلس القيادة الرئاسي للبلاد متوجهاً للسعودية.

هذا الواقع المستجد يطرح تساؤلاً محورياً أكثر خطورة: أين سيقف البنك المركزي حال انهيار وحدة "الشرعية" نفسها؟

خطر التسييس والزج بالمؤسسات الاقتصادية

تكمن خطورة المرحلة الراهنة في محاولات جر المؤسسات الاقتصادية - وفي مقدمتها البنك المركزي - إلى مربع الصراع السياسي. عندما تتطلع الفصائل المنضوية تحت مظلة الشرعية للبنك كمغنم نفوذ أو آلية ضغط أو مورد تمويل سياسي، فإن ذلك يقوض آخر حاجز يفصل بين الدولة واللادولة.

وتتطلب طبيعة التعامل مع جماعة الحوثي - كسلطة انقلابية خارجة عن الإطار الدستوري - سياسات مواجهة وردع في الملفات السيادية، بما يشمل السياسة النقدية. بينما الأطراف المنضوية تحت الشرعية، رغم خلافاتها السياسية، تبقى نظرياً ضمن الإطار الجمهوري، مما يلزم البنك المركزي بالحياد القانوني والأخلاقي تجاهها.

الحياد كضرورة وطنية

يعني الحياد المطلوب الالتزام الصارم بالقانون والمعايير المهنية ووظائف البنك الأساسية: إدارة السياسة النقدية، حماية النظام المصرفي، ضمان استقرار العملة، وتأمين انسيابية التمويل والاستيراد، بمعزل عن منطق الاصطفاف السياسي.

في هذا الإطار، يمثل الدفع المنتظم للمرتبات قضية استقرار اجتماعي وسياسي، فالراتب يشكل صمام الأمان الأخير لملايين الأسر، وأي تسييس لهذا الملف أو استغلاله كورقة ابتزاز سياسي يفتح الباب أمام انفجار اجتماعي لا يمكن السيطرة عليه.

الدعم الدولي كطوق نجاة

وسط هذه الأعاصير المحلية، شكلت المواقف الدولية الحديثة بمثابة "طوق نجاة" يعزز مهنية واستقلالية البنك المركزي. جاءت تصريحات سفراء بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، هولندا، والاتحاد الأوروبي قبل يومين لتؤكد بوضوح أن "استقرار اليمن مرتبط عضوياً باستقلال بنكه المركزي".

كما تعكس الإشادات الدولية بجهود المحافظ أحمد غالب المعبقي تقديراً دولياً لدور القيادة الحالية في محاولة الحفاظ على التوازن وسط العاصفة، مما يمنح البنك "الحصانة السياسية" اللازمة لمواجهة الضغوط.

مؤشرات الصمود المؤسسي

تظهر اجتماعات مجلس إدارة البنك المركزي الأخيرة، وما ناقشته من تطورات مالية واقتصادية، وموازنات، واحتياطيات، وخطط للعام 2026, وإعادة هيكلة المعهد المصرفي، وتفعيل لجان المراجعة والمناقصات، أن البنك ما زال يعمل بمنطق المؤسسة وليس برد الفعل السياسي.

إن البنك المركزي اليمني اليوم ليس مؤسسة نقدية فحسب، بل يمثل خط الدفاع الأخير عن فكرة الدولة الواحدة في عصر التصدع. حياده تجاه أطراف الشرعية، واستقلاله عن ضغوطها، وعدم انجراره إلى صراعاتها، هو ما يميزه عن سلطات الأمر الواقع، وما يمنحه شرعيته الحقيقية محلياً ودولياً.

شارك الخبر