ثلاثون عاماً من الفشل المتواصل في إنتاج دولة موحدة، وحكومة معترف بها دولياً لكنها مُشرّدة بلا سيطرة حقيقية - هذا هو الواقع الصادم الذي يكشف سبب رفض المنطقة لحق الشعوب في تقرير مصيرها رغم انهيار الكيانات السياسية أمام أعينها.
يفسر عالم الاجتماع العراقي علي الوردي هذا التناقض بنظريته عن التاريخ الدائري في مجتمعاتنا، حيث يرفض العقل السياسي مراجعة إخفاقاته، فيعيد صناعة الأزمات ذاتها تحت عناوين وأدوات متجددة.
في الحالة اليمنية، تتجلى هذه المفارقة بوضوح مؤلم: المعارضة تهيمن على الجغرافيا بينما الحكومة المعترف بها دولياً تحكم من الخارج دون مؤسسات سيادية فاعلة.
الواقع على الأرض يرسم خريطة مفككة:
- مأرب: تحت هيمنة جماعة الإخوان المسلمين
- صنعاء: خاضعة لسيطرة الحوثيين
- تعز: مدينة مقسومة بحواجز قماشية بين قوى متنازعة شكلياً ومتماهية عملياً
ما نشهده ليس أزمة حكم داخل دولة، بل غياب الدولة نفسها. ومع ذلك، يُطالب الجنوب بالبقاء داخل هذا الفراغ السياسي، ويواجه الإدانة عند المطالبة بحقه المشروع.
هذا التشبث بكيان منهار مع رفض الحلول الواقعية يعيد إنتاج الأزمة تحت مسميات متجددة، ما يوضح جذور معاداة حق الاستقلال في المنطقة رغم توفر المبررات المنطقية.
الاستقلال في هذا السياق ليس تهديداً للاستقرار الإقليمي، بل محاولة للإفلات من دوامة الفشل المؤجل وتبني مقاربة سياسية أكثر واقعية.
إنكار هذا الحق لا يحمي اليمن ولا يصنع استقراراً، بل يُبقي المنطقة أسيرة أزمة تعود جذورها لحرب 1994، حين فُرض الأمر الواقع بالقوة عوضاً عن معالجة جذور الصراع سياسياً، منتجاً واقعاً هشاً عاجزاً عن الصمود.