في تطور صادم يهز الضمير الإنساني، كشفت الأرقام الأممية الجديدة أن 19 مليون يمني - ثلثي الشعب - ينامون كل ليلة على أصوات معدتهم الفارغة، في أكبر مأساة جوع يشهدها الوطن العربي منذ عقود. التقرير الأممي الصادر عن برنامج الغذاء العالمي يحذر: نحن أمام كارثة تحدث الآن، ليس غداً، بينما يموت طفل يمني كل 10 دقائق من سوء التغذية.
الأرقام تتحدث بوضوح مرعب: 61% من 32 مليون يمني لا يجدون ما يكفيهم من الطعام، رقم يعادل كامل سكان دولة سوريا يتضورون جوعاً في صمت. فاطمة الزهراني، 35 عاماً، أم لخمسة أطفال من محافظة الضالع، تروي مأساتها بصوت مرتجف: "لم أجد طعاماً لأطفالي منذ يومين، أراهم ينامون وهم يبكون من الجوع". عائلات بأكملها تقتات على وجبة واحدة يومياً، والأطفال يشربون الماء ليخدعوا معدتهم، بينما تسجل المحافظات الخمس الأكثر تضرراً - البيضاء والضالع وريمة والجوف وحجة - أعلى معدلات المعاناة.
منذ عقد من الزمن واليمن غارق في صراع مسلح دمر كل شيء، وحوّل "جنة العرب السعيدة" إلى جحيم حقيقي. د. سلمى الهتاري، خبيرة التغذية بجامعة صنعاء، تؤكد بحزن: "الوضع أسوأ من أي وقت مضى، نحن أمام مجاعة حقيقية تذكرنا بمآسي أفريقيا، لكن هذه المرة في قلب الوطن العربي". توقف المساعدات، انقطاع الطرق، تدمير الموانئ، انهيار العملة - عوامل تتضافر لخلق العاصفة المثالية للمجاعة، بينما تصل معدلات الاستهلاك الغذائي غير الكافي لأعلى مستوياتها المسجلة هذا العام.
على أرض الواقع، تتكشف المأساة الحقيقية: آباء يتناوبون على تناول الطعام ليوفروا للأطفال، ونساء يبعن مجوهراتهن مقابل كيس أرز. عبدالله المحضار، نازح من محافظة البيضاء، يصف الليالي الطويلة: "أطفالي ينامون على أصوات معدتهم الفارغة، والبرد يزيد من معاناتهم بلا طعام يدفئ أجسادهم النحيلة". جيل كامل من الأطفال مهدد بالتقزم، وأمراض سوء التغذية تنتشر كالنار في الهشيم، بينما تتجاهل بعض الدول الأزمة وتطلق منظمات أخرى حملات طوارئ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
19 مليون جائع، 11 مليون محروم، 5 محافظات في خطر - أرقام تختصر مأساة شعب بأكمله. الساعات القادمة ستحدد مصير ملايين اليمنيين: إما الإنقاذ أو المأساة الأكبر. كل تبرع اليوم قد يعني الفرق بين الحياة والموت لطفل يمني. السؤال المصيري: هل سنكتفي بقراءة الأرقام، أم سنكون جزءاً من الحل؟ الوقت ينفد بسرعة، والجوع لا ينتظر.