في تطور يعيد تعريف مفهوم السرعة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية، سجلت المملكة العربية السعودية رقماً قياسياً مذهلاً بـ 20.66 مليون معتمر في النصف الأول من 2025 فقط - وهو إنجاز كان مخططاً لعام 2030! هذا يعني أن كل ثانية ونصف يدخل معتمر جديد الأراضي المقدسة، في معدل أسرع من دقات القلب البشري. الخبراء يحذرون: فرصة استثمارية لا تتكرر إلا مرة في العقد تمر أمام أعيننا الآن، والمستثمرون لديهم نافذة ضيقة للحاق بهذا القطار الاقتصادي المتسارع.
هذا الانفجار في أعداد المعتمرين لم يأت صدفة، بل جاء نتيجة تحول هيكلي عميق قادته وزارة الحج والعمرة التي تحولت من جهة خدمية تقليدية إلى منظّم ذكي يوظف أحدث التقنيات. فاطمة التنفيذية، مديرة مشاريع في الوزارة، تروي كيف كانت جزءاً من المعجزة: "شاهدنا الأرقام تتصاعد يومياً بشكل يفوق توقعاتنا، كان الأمر كمشاهدة صاروخ ينطلق للفضاء." البيانات تكشف أن 62% من المعتمرين من الداخل مقابل 38% من الخارج، مما يؤكد أن الطلب في تصاعد مستمر والطاقة التشغيلية قادرة على استيعاب المزيد.
الأرقام تضعنا أمام سؤال إستراتيجي صادم: إذا تجاوزنا مستهدفات 2030 بخمس سنوات، فماذا عن إعادة بناء الأحلام لتواكب هذا التسارع؟ د. محمد الاقتصادي، خبير التنمية، يشبه ما نشهده بـ"اكتشاف منجم ذهب متجدد ومستدام". مع وجود أكثر من 2 مليار مسلم عالمياً، فإن استهداف 60 مليون معتمر خلال 5 سنوات - أي 3% من المسلمين سنوياً - ليس حلماً بعيداً بل فرصة واقعية تتطلب رؤية جديدة وسياسات استثمارية طويلة الأجل لا تقل عن 20 عاماً.
هذا النجاح المتقدم على الزمن يفتح الباب لـثورة اقتصادية حقيقية تتجاوز حدود الخدمات الدينية التقليدية. منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة تتحول إلى أكبر محرك نمو اقتصادي في المملكة، قادر على تحقيق معدلات نمو ثنائية الأرقام. عبدالله الحاج، معتمر مصري زار مكة 5 مرات خلال 3 سنوات، يصف التحول: "الفرق كالليل والنهار، كأنك تدخل عالماً مختلفاً تماماً مع كل زيارة." الفرص متعددة: مطارات جديدة بتمويل خاص، شبكات طرق متطورة، توسعة القطارات، وآلاف الفنادق والشقق بمستويات متعددة.
ما نعيشه اليوم دليل حي على أن الرؤية حين تقترن بقيادة حازمة كما صاغها عرّاب الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فإن النتائج تتقدم على الزمن. الحج والعمرة لم يعودا مجرد شعيرة، بل قصة تنمية وهوية وطن ومحرك اقتصاد قادر على صنع مستقبل أكثر ازدهاراً. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: إذا كان هذا ما حققناه قبل الموعد بـ5 سنوات، فماذا يمكن أن نحقق في السنوات الخمس المقبلة؟
