في تطور صادم هز ضمير المجتمع، تتصاعد ظاهرة تصوير الحوادث المرورية والمصابين في لحظات ضعفهم الإنساني، حيث يلهث البعض وراء الشهرة عبر استغلال مآسي الآخرين. 10 مليون ريال - هذا المبلغ الخيالي يمكن أن يدفعه شخص واحد فقط لأنه صور حادثاً ونشره، في عقوبة تعادل ميزانية مستشفى كامل لسنة. الخبراء يحذرون: كل ثانية تأخير في وقف هذه الظاهرة تعني المزيد من الألم لأسر المصابين.
"أم خالد، 45 سنة، شاهدت مقطعاً مؤلماً لابنها المصاب في حادث مروري عبر واتساب قبل أن تصل للمستشفى." هذه القصة المحطمة تتكرر يومياً، بينما تشهد مواقع التصوير مشاهد مقززة: عشرات الهواتف المرفوعة حول المصابين، وأصوات الكاميرات تختلط بصرخات الألم. الأرقام صادمة: 500,000 ريال غرامة التشهير الإلكتروني مع سجن سنة كاملة، مبلغ يعادل راتب موظف متوسط لسنتين! يؤكد د. محمد الشريف، أستاذ علم النفس: "تصوير الحوادث يسبب صدمات نفسية مضاعفة للضحايا وأهاليهم."
جذور هذه الظاهرة المدمرة تمتد إلى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة النشر، مع ضعف الوازع الديني والبحث المحموم عن المشاهدات. مثل نشر صور الموتى في الحروب القديمة، لكن هنا الهدف ليس الرسالة بل الشهرة المؤقتة. المحامي سعد النمر، الذي نجح في إيقاف 15 حساباً تنشر مقاطع الحوادث، يحذر: "القانون السعودي لا يتساهل مع انتهاك الكرامة الإنسانية." الآية الكريمة تقول: "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا" - نص صريح في المساءلة الشرعية عما نراه ونصوره.
التأثير المدمر لا يقف عند العقوبة القانونية، بل يمتد إلى الحياة اليومية حيث يخاف الناس من التعرض للحوادث وتصويرها، وتتراجع قيم التعاطف والمساعدة. أحمد المطيري، شاب عشريني، يعترف بندم: "كنت أصور الحوادث للمشاهدات حتى رأيت دموع أم مصاب." غرامة 1000 ريال لتصوير الأشخاص بدون إذن تصبح 2000 عند التكرار - مبلغ يكفي لشراء هاتف جديد بدلاً من استخدامه في التصوير المحظور! الداعية فهد السليمان، الذي حذر قبل 5 سنوات من تحول وسائل التواصل لأدوات انتهاك، يؤكد: "الكرامة الإنسانية أهم من مليون مشاهدة."
الحل يبدأ بوقف فوري لهذا السلوك المُدان شرعاً والمُجرَّم نظاماً، والتحول نحو مجتمع يحترم الكرامة الإنسانية ويقدم المساعدة بدلاً من التصوير. المستقبل يحمل أملاً في تطوير تقنيات ذكية لمنع نشر هذا المحتوى تلقائياً وحملات توعوية أكثر فعالية. هل تريد أن تكون الشخص الذي يساعد المصاب أم الذي يصوره؟ الاختيار يحدد إنسانيتك... والقانون لن يرحم من يختار الطريق الخطأ!