في مشهد يتحدى المنطق الاقتصادي، يستقر الريال اليمني عند مستويات ثابتة بينما تنفجر أسعار السلع الأساسية كالصاروخ، تاركة ملايين المواطنين في حيرة مؤلمة: عملة مستقرة ولكن جيوبهم تفرغ! الأرقام صادمة - فجوة 203% في سعر الدولار بين منطقتين في نفس البلد، ومعاناة مضاعفة لشعب يدفع ثمن انقسام لم يختره.
وسط هذه المفارقة المؤلمة، تشهد محلات الصرافة في المناطق الحكومية استقراراً نسبياً بسعر صرف الدولار عند 1617 ريال يمني والريال السعودي عند 425 ريال، بينما في مناطق نفوذ الحوثيين يُتداول الدولار بـ 535-540 ريال فقط. أم محمد، ربة منزل من صنعاء، تحكي معاناتها: "المبلغ الذي كان يكفي لشراء احتياجات أسبوع كامل، بات بالكاد يكفي لثلاثة أيام، رغم أن سعر الصرف لم يتغير!" إنها قصة تتكرر في آلاف البيوت اليمنية.
الجذور العميقة لهذا التناقض تمتد لسنوات من الحرب والانقسام السياسي، حيث خلق الصراع اقتصادين منفصلين في بلد واحد. الخبراء يشيرون إلى أن اعتماد اليمن الكبير على الاستيراد، وتدهور القطاع المصرفي، وانقطاع سلاسل التوريد، كلها عوامل تجعل استقرار العملة مجرد واجهة خادعة. د. علي الحميري، المحلل الاقتصادي، يوضح: "الاستقرار النقدي الظاهري لا يعكس الواقع الاقتصادي المتدهور، فالعملة قد تستقر ولكن القوة الشرائية تتآكل يومياً كما تتآكل الصخور بفعل المياه."
في قلب الأسواق الشعبية، تتجلى المأساة الحقيقية حيث تتصاعد أسعار الخبز والأرز والوقود بوتيرة جنونية، بينما الرواتب تبقى ثابتة كالجبال. أبو عبدالله، صاحب محل صرافة يروي: "الناس تأتي بأموال أكثر لشراء نفس البضائع، والتجار يرفعون الأسعار كل أسبوع تقريباً." المشهد يذكّر بأزمة لبنان الاقتصادية حيث استقرت العملة ظاهرياً بينما انهارت القوة الشرائية للمواطنين. السيناريوهات المتوقعة قاتمة: إما توحيد اقتصادي شامل أو انهيار كامل لما تبقى من النظام المالي.
مع تفاقم هذا التناقض المدمر، يقف اليمن أمام مفترق طرق حاسم: إما إيجاد حلول جذرية تعالج الأسباب الحقيقية للتضخم، أو الاستمرار في مشاهدة تآكل الحياة اليومية لملايين المواطنين. السؤال الحارق يبقى: هل يمكن لبلد أن يحافظ على استقرار عملته بينما شعبه يغرق في بحر من الفقر والجوع؟ الإجابة تكمن في الأيام القادمة، والوقت ينفد بسرعة مرعبة.