للشهر الرابع على التوالي، تحقق العملة اليمنية ما يبدو وكأنه معجزة اقتصادية حقيقية وسط بحر من التحديات والاضطرابات. في بلد مزقته الحرب لعشر سنوات متواصلة، يسجل الريال اليمني استقراراً مذهلاً مقابل العملات الأجنبية، محطماً بذلك كل توقعات الخبراء المتشائمين. لكن السؤال الذي يؤرق الجميع: هل هو استقرار حقيقي أم مجرد هدوء ما قبل العاصفة الاقتصادية القادمة؟
في مشهد نادر لم تشهده اليمن منذ عام 2015، حافظت العملة المحلية على أسعار صرف ثابتة تماماً منذ أغسطس الماضي، حيث استقر الدولار عند 1630 ريالاً للبيع و1617 للشراء، بينما ثبت الريال السعودي عند 428 و425 ريالاً على التوالي. "هذا الاستقرار لم نشهده منذ سنوات طويلة"، تؤكد مصادر مصرفية لـ"عدن تايم"، بينما يروي سالم البكري، صرّاف في سوق الساحة بعدن: "السعر لم يتحرك ولا حتى بريال واحد منذ 120 يوماً.. شيء لا يُصدق في بلدنا."
لفهم حجم هذا الإنجاز، يجب العودة إلى عام 2015 عندما انهارت العملة اليمنية من 250 ريالاً للدولار إلى أكثر من 1600 ريال خلال سنوات الحرب المدمرة. آخر فترة استقرار مماثلة كانت قبل اندلاع الصراع عام 2014، مما يجعل الوضع الحالي أشبه بـ"ثبات الصخرة وسط أمواج الأزمة المتلاطمة". د. محمد الصراري، محافظ البنك المركزي، نجح في تحقيق ما عجز عنه سابقوه لسنوات، بينما يحذر د. عبدالله الحميري، الخبير الاقتصادي: "الاستقرار هش ويحتاج إلى إصلاحات اقتصادية جذرية لضمان استدامته."
على أرض الواقع، يترجم هذا الاستقرار إلى تغيير جذري في الحياة اليومية للمواطنين. فاطمة أحمد، ربة بيت من عدن، تقول بارتياح: "أستطيع الآن حساب مصروفات الشهر دون خوف من مفاجآت سعرية مدمرة." التجار أيضاً بدأوا في وضع خطط طويلة المدى، مع تحسن ملحوظ في الثقة بالسوق المحلي. لكن أحمد المحمدي، موظف حكومي براتب 40 ألف ريال شهرياً، يكافح لتأمين احتياجات أسرته رغم "الاستقرار المزعوم"، مؤكداً أن التضخم مستمر والأسعار ترتفع رغم ثبات الصرف.
السؤال الذي يؤرق الجميع الآن: متى ستنتهي هذه الهدنة الاقتصادية؟ خبراء يتوقعون استمرار الاستقرار لشهرين إضافيين على الأقل، بينما يحذر آخرون من انهيار مفاجئ. الفرصة الذهبية متاحة الآن للاستثمار وإعادة بناء الثقة، لكن على الحكومة استغلال هذا الاستقرار النادر لتنفيذ إصلاحات اقتصادية حقيقية قبل أن تضيع الفرصة إلى الأبد. فهل ستنجح اليمن في تحويل هذه المعجزة المؤقتة إلى نهضة اقتصادية دائمة؟