في تطور مذهل يكشف عن تحولات جذرية في أنماط المعيشة السعودية، سجلت المملكة استهلاكاً قياسياً للطاقة الكهربائية المنزلية بلغ 161.2 ألف جيجاوات ساعة خلال 2024 - وهو رقم يكفي لإنارة دولة بحجم لبنان لمدة عامين كاملين! الصادم أكثر أن منطقة الرياض وحدها التهمت 45 ألف جيجاوات ساعة، أي ما يعادل 28% من إجمالي الاستهلاك الوطني، في مشهد يعكس الفجوة الهائلة بين المناطق.
أم سارة من حي النرجس بالرياض تروي صدمتها: "فاتورة الكهرباء ارتفعت من 600 إلى 800 ريال شهرياً دون سابق إنذار، والسبب أننا من بين 54% من الأسر التي لا تملك عزلاً حرارياً!" هذه القصة تتكرر في ملايين المنازل، حيث تشير إحصاءات الهيئة العامة للإحصاء إلى ارتفاع الاستهلاك بنسبة 6% مقارنة بعام 2023، مما يضع ضغطاً إضافياً على ميزانيات الأسر في ظل التضخم المتزايد.
الأرقام تكشف قصة أعمق من مجرد زيادة في الاستهلاك، فبعد انهيار كبير عام 2019 حيث تراجع الاستهلاك بـ29% ليصل إلى 187 ألف جيجاوات ساعة، شهدت السنوات التالية تذبذباً مستمراً يعكس تأثيرات جائحة كوفيد-19 والتحولات الاقتصادية المصاحبة لرؤية 2030. المهندس أحمد الغامدي، خبير الطاقة بوزارة الطاقة، يؤكد: "هذا الارتفاع طبيعي مع تحسن الأوضاع الاقتصادية وزيادة المشاريع الإسكانية، لكن المفاجأة في التفاوت الجغرافي الحاد."
التأثير يتجاوز الأرقام إلى صميم الحياة اليومية، حيث تظهر النتائج أن 91.5% من الأسر مهتمة بترشيد الاستهلاك، لكن 40.8% فقط تفكر جدياً في الطاقة الشمسية كبديل. أبو محمد من منطقة الباحة - التي سجلت أقل استهلاك بـ1.43 ألف جيجاوات ساعة - يقول بمرارة: "نحن ندفع نفس تعرفة الكهرباء رغم أن استهلاكنا أقل بـ30 مرة من الرياض!" هذا التفاوت يفتح أسئلة جدية حول عدالة التوزيع والحاجة لسياسات تعرفة متدرجة تراعي الاختلافات الجغرافية والاقتصادية.
مع تحقيق تغطية 100% لخدمات الكهرباء واعتماد 86.4% من المساكن على الغاز في الطبخ، تقف المملكة أمام مفترق طرق حاسم. السؤال الأكبر: هل ستنجح برامج كفاءة الطاقة في كسر دائرة الارتفاع المستمر، أم أن فواتيرنا الكهربائية ستواصل تسجيل أرقام قياسية جديدة؟ الجواب في أيدينا جميعاً - من خلال تركيب العزل الحراري، والتحول للطاقة الشمسية، وتغيير عاداتنا اليومية قبل أن تصبح فاتورة الكهرباء عبئاً لا يُحتمل.