في تطور يكسر جدران الصمت بعد 9 سنوات من الظلام، يقف أكثر من مليون موظف يمني اليوم على أعتاب لحظة لن ينساها التاريخ - أول راتب حقيقي منذ أن بدأت الحرب تلتهم أحلامهم في 2015. مكاتب البريد المصرية تتحول إلى بوابات أمل لملايين الأسر المنهكة، في مشهد يحمل وعداً بالخلاص أو تهديداً بكسر القلوب للمرة الأخيرة.
في صباح بارد بصنعاء، تشكلت طوابير صامتة تمتد لمئات الأمتار أمام مكاتب البريد - وجوه محفورة بالانتظار تحمل 3,287 يوماً من المعاناة. فاطمة الشامي، ممرضة تبلغ 38 عاماً، تقف في الصف وعيناها تبرقان بالأمل: "أخيراً بدأت أرى بصيص أمل بعد سنوات من المعاناة." خلفها، يقف أم سارة، معلمة خمسينية باعت ذهب زفافها لتطعم أطفالها الثلاثة، تهمس: "لعل الله يفرجها هذه المرة."
الحقيقة المرة تكشف أن 70% من الأسر اليمنية تعتمد على راتب موظف حكومي كمصدر دخل أساسي - راتب تبخر كالماء في الصحراء منذ انهيار النظام المصرفي في 2015. د. محمد الحكيمي، خبير اقتصادي، يؤكد: "استخدام البريد خطوة ذكية لتوزيع الأعباء، لكن التحدي الحقيقي في ضمان الاستدامة." المقارنة صادمة: مليون موظف متأثر - رقم يفوق تعداد سكان قطر بأكملها.
أحمد المؤيد، مدرس يبلغ 45 عاماً ووالد لأربعة أطفال، يحمل أوراقه بيد مرتجفة بعد 18 شهراً بلا راتب: "هذا المبلغ سيشتري لنا الخبز لشهر كامل." بجانبه، خالد المطري، أب لسبعة أطفال، يهمس بعد وقوف 6 ساعات: "لأول مرة منذ سنوات أشعر أنني إنسان مرة أخرى." عبدالله الزيدي، موظف البريد الشاب، يصف المشهد: "الزحام منذ بداية الإعلان والفرحة في عيون الموظفين شيء لا يُنسى."
لكن الخبراء يحذرون من السراب القاتل - فهذه الخطوة، رغم أهميتها التاريخية، تبقى قطرة في محيط الأزمة الاقتصادية الشاملة. السؤال الذي يؤرق مليون أسرة يمنية: هل ستصمد هذه البداية وتتوسع لتشمل جميع الموظفين، أم ستكون مجرد أمل مؤقت ينطفئ سريعاً في محيط اليأس اليمني الشاسع؟ الإجابة مرهونة بإرادة سياسية حقيقية وقدرة النظام على ضمان السيولة المستمرة - وإلا فالكارثة القادمة ستكون أعنف من كل ما سبق.