في تطور صادم هز المنطقة الغربية، سجلت شوارع جدة كميات مطرية تاريخية بلغت 135 ملم خلال ساعات قليلة - كمية تكفي لري مدينة كاملة لأسبوع! هذه الأمطار الغزيرة حولت شوارع جدة إلى أنهار مؤقتة وأجبرت مطاراً دولياً على إيقاف حركته، بينما تواجه آلاف العائلات في جدة وينبع الآن يوماً استثنائياً لن ينسوه.
وسط هدير الرياح القوية وصوت قطرات المطر الغزيرة على أسقف المنازل، سجل المركز الوطني للأرصاد أرقاماً قياسية صادمة: 135 ملم في شمال جدة، و81 ملم في حي البساتين، بينما وصلت سرعة الرياح في ينبع إلى 60 كيلومتراً في الساعة. "هذه الكميات من الأعلى هذا الموسم" يؤكد المركز الوطني، فيما تصف سارة المطيري، أم لثلاثة أطفال: "اضطررت لإلغاء جميع مواعيدي المهمة بسبب تعليق الدراسة، الشوارع تحولت لأنهار حقيقية."
هذا الاضطراب الجوي الواسع، الذي يؤثر على معظم أنحاء المملكة، يُعيد إلى الأذهان أمطار جدة التاريخية التي لم تشهد المدينة مثيلاً لها منذ سنوات. د. عبدالرحمن العسيري، أستاذ علوم الغلاف الجوي، يصف الوضع قائلاً: "هذه تقلبات جوية طبيعية معززة بعوامل مناخية إقليمية استثنائية." المركز الوطني للأرصاد يتوقع استمرار الحالة حتى يوم الخميس، مع احتمال موجة مطرية إضافية تحت المراقبة الدقيقة.
التأثير لم يقتصر على الطقس فحسب، بل امتد ليشمل تغييراً جذرياً في روتين آلاف العائلات. تحولت الدراسة إلى التعليم عن بُعد عبر منصة "مدرستي"، وأعيدت جدولة عشرات الرحلات في مطار الملك عبدالعزيز الدولي، بينما ألغى مهرجان البحر الأحمر السينمائي فعالياته لضمان سلامة الزوار. أحمد السلمي، سائق تاكسي في جدة، يصف مشاهداته: "الشوارع كأنها أنهار جارية، والسحب الداكنة تغطي السماء كالبطانية." لكن وسط هذا التحدي، يرحب المزارعون وأصحاب المشاريع الزراعية بهذه النعمة التي ستجدد المخزون المائي وتحسن الغطاء النباتي.
بينما تملأ رائحة التراب المبلول الأجواء وتنتشر برودة منعشة في أرجاء المدينتين، تبقى الأنظار متجهة نحو السماء. هل ستكون هذه بداية موسم مطري استثنائي يعيد الحياة للصحراء، أم مجرد نعمة مؤقتة في قلب الجفاف؟ الإجابة تكمن في الأيام القادمة، لكن شيئاً واحداً مؤكد: جدة وينبع تشهدان لحظة تاريخية لن تُنسى.