في تطور يبعث الأمل في قلوب آلاف الأسر، أعلنت الهيئة العامة للبريد والتوفير البريدي في عدن بدء صرف معاشات المتقاعدين العسكريين لشهر سبتمبر اعتباراً من غد الأربعاء، منهية بذلك شهراً كاملاً من القلق والترقب الذي عاشته الأسر في ظل أزمة اقتصادية خانقة تمتد لـ9 سنوات متواصلة. هذا الإعلان البسيط عبر منصة فيسبوك يحمل في طياته معنى البقاء والكرامة لآلاف المتقاعدين الذين ينتظرون هذا اليوم "كأنه العيد" كما وصفه العقيد المتقاعد أحمد سالم.

العقيد أحمد سالم، الذي قضى 25 عاماً في الخدمة العسكرية، يعبر عن مشاعره المختلطة قائلاً: "بعد ربع قرن من التضحية، أصبح هذا المعاش هو الأمل الوحيد لإطعام أسرتي المكونة من 6 أشخاص". وتشاركه المعاناة فاطمة الحميري، أرملة عسكري تعيل 4 أطفال بمعاش زوجها المتوفى، والتي تقف في طوابير البريد منذ ساعات الفجر خوفاً من نفاد السيولة. هذه الشهادات تعكس واقعاً مؤلماً: 80% من الموظفين والمتقاعدين في اليمن لم يحصلوا على رواتبهم بانتظام منذ عام 2016، مما يعني أن 8 من كل 10 بيوت تعيش بلا دخل ثابت.

تأتي هذه الخطوة في ظل صمود مؤسسي نادر، حيث يواصل محمد الصبري وزملاؤه في مكاتب البريد تقديم خدماتهم رغم عدم حصولهم على رواتبهم منذ سنتين. يشبه هذا الصمود نسمة أمل في صحراء الأزمة الاقتصادية التي تشهد أكبر انهيار في تاريخ اليمن الحديث. الدكتور علي الشرعبي، خبير اقتصادي، يؤكد أن "هذه المعاشات تمثل خط الدفاع الأخير ضد المجاعة لآلاف الأسر"، مشيراً إلى أن انقطاعها لشهر واحد يعادل حكم إعدام اقتصادي على أسر بأكملها.

التأثير الفوري لهذا الإعلان سيتجلى في تحرك مئات المتقاعدين نحو مكاتب البريد وزيادة النشاط التجاري في الأسواق المحيطة. أم خالد، زوجة متقاعد عسكري، تصف اللحظة بقولها: "اليوم سنتمكن من دفع إيجار البيت وشراء الدواء لوالدي المريض". هذا المبلغ البسيط - الذي قد لا يكفي لشراء وجبة في مطعم فاخر - يعيد الحياة لآلاف الوجوه المتعبة. سالم عبدالله، متقاعد آخر، يعبر عن قلقه المستمر: "نقف في الطابور منذ الفجر خوفاً من نفاد المال، فهذا المعاش هو كل ما نملك".

مع انتشار الخبر بسرعة النار في الهشيم بين المتقاعدين وأسرهم، تبرز أهمية استمرارية هذه الخدمة في ضمان الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية. على المستفيدين التوجه لأقرب مكتب بريد مع إحضار كافة الوثائق المطلوبة، وإدارة المبلغ بحكمة لضمان تغطية احتياجات الشهر كاملاً. السؤال الذي يؤرق الجميع: في زمن تتزايد فيه التحديات الاقتصادية، هل ستستمر هذه الومضة من الأمل في إضاءة حياة آلاف الأسر اليمنية؟