في انهيار اقتصادي صادم يهز أركان البلاد، سجل سعر الدولار الواحد فارقاً جنونياً يبلغ 1098 ريال يمني بين صنعاء وعدن، ليصل إلى 1632 ريالاً في عدن مقابل 534 فقط في صنعاء. هذا الرقم المدمر يعني أن العملة اليمنية فقدت 87% من قيمتها منذ بداية الحرب، في أكبر انهيار نقدي يشهده بلد عربي في العصر الحديث. كل دقيقة تمر تعني خسارة أكبر لمدخرات ملايين اليمنيين، والخبراء يحذرون: الأسوأ لم يأت بعد.
في مشهد مأساوي يتكرر يومياً، يقف أحمد المقطري، الموظف الحكومي من صنعاء، أمام محل الصرافة وهو يحسب بصوت مرتجف: "راتبي 80 ألف ريال الشهر لا يساوي سوى 150 دولاراً... كيف سأطعم أطفالي؟" أصوات الآلات الحاسبة تملأ أسواق الصرافة بينما التجار يصرخون أرقاماً متصاعدة كل ساعة. مصدر في البنك المركزي يكشف بمرارة: "الوضع خارج عن السيطرة تماماً، نشهد انهياراً يسير بسرعة الصاروخ". الفارق السعري البالغ 205% بين المدينتين أصبح أكبر من المسافة الجوية بينهما، في ظاهرة لم يشهد لها التاريخ الاقتصادي مثيلاً.
جذور هذه الكارثة تمتد إلى عام 2016 عندما انقسم النظام المصرفي اليمني، ليصبح لدى البلاد بنكان مركزيان منفصلان يتبعان سياسات نقدية متضاربة تماماً. الدكتور عبدالله النوبي، الخبير الاقتصادي، يحذر: "نعيش أزمة أشد من انهيار الاقتصاد الألماني بعد الحرب العالمية الأولى". الحرب المدمرة وتوقف إنتاج النفط والحصار الاقتصادي حولت العملة اليمنية إلى قطعة ثلج تذوب تحت شمس الصراع الحارقة. التقارير الدولية تشير إلى أن اليمن يتجه نحو انهيار اقتصادي كامل قد يستمر لعقود، مع توقعات بوصول سعر الدولار إلى 2000 ريال في بعض المناطق.
في الحياة اليومية، تحولت عملية شراء الخبز إلى معادلة رياضية معقدة. فاطمة الحضرمية، ربة البيت، تروي معاناتها: "أصبحت أحسب ثمن كل شيء بالدولار قبل أن أشتريه... حتى الخضار أصبحت ترفاً". العائلات تشاهد بذعر مدخراتها تتبخر كل يوم، فكل 100 ألف ريال مدخرة تساوي اليوم 61 دولاراً فقط في عدن. المستشفيات تشهد توقف علاج المرضى لعدم قدرتهم على شراء الأدوية، والمدارس الخاصة تغلق أبوابها واحدة تلو الأخرى. الخبراء يتوقعون موجة هجرة جديدة قد تشمل مليون يمني إضافي خلال العام القادم، بينما يستغل المضاربون الفوضى لتحقيق أرباح خيالية من معاناة الشعب.
أمام هذا الانهيار المدوي، يواجه اليمنيون خيارين لا ثالث لهما: إما إنقاذ عاجل يتطلب توحيد النظام المصرفي وتدخلاً دولياً فورياً، أو انهيار كامل يحول البلاد إلى اقتصاد المقايضة. النصيحة الذهبية للمواطنين: احموا مدخراتكم الآن بتحويلها إلى عملات صعبة أو استثمارها في أصول حقيقية قبل فوات الأوان. السؤال المصيري الذي يطرح نفسه: هل ستنتظر حتى تصبح مدخراتك مجرد أوراق ملونة، أم ستتصرف اليوم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟