في تطور مصيري يهز الضمير الإنساني، يواجه العالم حقيقة صادمة: 200 ألف طفل سيصابون بالشلل سنوياً إذا توقف التمويل اليوم، بينما نحن على بُعد خطوة واحدة فقط من إنهاء معاناة استمرت لقرون. الإمارات تقود اليوم معركة تاريخية حاسمة في أبوظبي، حيث تجمع قادة العالم في لحظة قد تُعيد كتابة مستقبل الإنسانية، والسؤال المصيري: هل سينجح العالم في كتابة الفصل الأخير من قصة القضاء على شلل الأطفال نهائياً؟
في فعالية استثنائية تشهدها أبوظبي اليوم الاثنين، تحتشد مؤسسة محمد بن زايد للأثر الإنساني مع قادة العالم لكتابة الفصل الأخير في ملحمة القضاء على شلل الأطفال. أرقام تحبس الأنفاس تكشف حجم الإنجاز: 850 مليون جرعة لقاح وصلت للأطفال الأكثر عرضة للخطر، عبر جيش من 103 آلاف بطل صحي نصفهم من النساء يواجهون الموت يومياً في أخطر مناطق العالم. "كل دولار نستثمره اليوم ينقذ أجيالاً قادمة من المعاناة"، تؤكد تالا الرمحي من مؤسسة محمد بن زايد، بينما تنتشر موجة أمل جارفة في أكثر مناطق العالم فقراً وحرماناً، حيث يحلم الأطفال بمستقبل خالٍ من الإعاقة.
خلف هذه اللحظة التاريخية تكمن رحلة ملحمية امتدت 36 عاماً من النضال العلمي والإنساني بدأت بحلم جريء عام 1988. كما انتصر العالم على الجدري في معركة استمرت عقوداً، نقف اليوم على أعتاب انتصار تاريخي جديد بعد القضاء على 99% من المرض واختفاء نوعين من أصل ثلاثة أنواع من الفيروس اللعين. لكن النزاعات المسلحة والفقر والمعلومات المضللة تقف كحجر عثرة أمام الحلم، بينما يحذر خبراء الصحة العالمية: "انتشار المعلومات المضللة أسرع من انتشار الفيروس نفسه". ستيفن لاورير، مدير برنامج استئصال شلل الأطفال في اليونيسف، يؤكد بثقة: "2025 قد تكون السنة الذهبية لإعلان خلو العالم من شلل الأطفال"، شرط ألا يتراجع التمويل في هذه اللحظة المصيرية.
على أرض الواقع، تتكشف مشاهد مؤثرة تحكي قصة الأمل والمعاناة معاً. فاطمة الأحمدي، أم لثلاثة أطفال من شمال اليمن، تقطع 5 كيلومترات سيراً على الأقدام للوصول لمركز التطعيم رغم القصف المتواصل، بينما تتردد أصوات المروحيات التي تحمل اللقاحات للمناطق النائية وسط طوابير طويلة من الأمهات يحملن أطفالهن تحت الشمس الحارقة. التأثير مذهل ومؤكد: أطفال في أفغانستان وباكستان سيجرون ويلعبون دون خوف من الإعاقة، بينما ستحرر هذه الخطوة 1.2 مليار دولار سنوياً لمحاربة أمراض أخرى. د. أحمد السالم، متخصص الأوبئة، يحذر: "نحن أمام نافذة ضيقة للنجاح قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة"، بينما ينقسم الخبراء بين متفائل يرى النهاية قريبة ومحذر من التراخي في اللحظة الأخيرة.
معركة 36 عاماً تصل لنهايتها الدرامية، والإمارات بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تقود الهجمة الأخيرة بـ381 مليون دولار - استثمار في مستقبل خالٍ من الإعاقة. عالم خالٍ من شلل الأطفال خلال عامين لم يعد حلماً بعيد المنال، بل هدف ممكن التحقيق بإرادة جماعية صادقة. كل تبرع اليوم هو استثمار في مستقبل خالٍ من معاناة لا داعي لها، والسؤال الذي يطارد ضمائرنا جميعاً: هل سنكون الجيل الذي كتب التاريخ وأنهى معاناة الملايين، أم الذي ضيع الفرصة الذهبية الأخيرة؟