في مشهد مذهل يعيد تشكيل خريطة العمل في الجنوب السعودي، كشفت جولات ميدانية مكثفة عن حقيقة صادمة: 98 مواطناً سعودياً يقتحمون معارض السيارات في نجران، محققين نسبة توطين تاريخية تبلغ 74.8% في قطاع كان حكراً على العمالة الوافدة. لكن الأرقام تخفي مفاجأة أكبر: امرأة واحدة فقط من بين 98 موظف سعودي، بينما 7 وظائف إضافية تنتظر أبطالاً جدد خلال الأسابيع القادمة.
تحت أشعة شمس نجران الحارقة، اجتاحت لجان التوطين 45 معرضاً للسيارات، وسط رائحة الإطارات الجديدة وأصوات المحركات. فهد النجراني، 35 عاماً، يقف بفخر خلف مكتب مدير المبيعات: "كنت عاطلاً لثلاث سنوات، واليوم أقود فريق مبيعات في أكبر معرض بالمنطقة." مقابل كل 3 سعوديين، يوجد وافد واحد فقط - نسبة تفوق توقعات أكثر الخبراء تفاؤلاً. خالد صاحب معرض يعترف بصراحة: "اضطررت لاستبدال 3 عمال آسيويين بشباب من أبناء المنطقة، والمفاجأة أن إنتاجيتهم أعلى."
هذه الثورة الهادئة لم تأت من فراغ. منذ إطلاق رؤية المملكة 2030، تتصاعد موجة التوطين كتسونامي يجتاح سوق العمل السعودي، خاصة في المناطق الحدودية الاستراتيجية. د. سارة العتيبي، خبيرة اقتصاد العمل، تؤكد: "التوطين في المناطق الحدودية ضرورة أمنية واقتصادية، ونجران تقدم نموذجاً مثالياً." المقارنة صارخة: بينما كانت العمالة الوافدة تهيمن بنسبة 80% قبل عامين، اليوم السعوديون يسيطرون على ثلاثة أرباع الوظائف.
في شوارع نجران، تتغير ملامح الحياة اليومية. أحمد الشهري، 28 عاماً، خريج إدارة أعمال، يقف أمام أحد المعارض حاملاً سيرته الذاتية: "سنتان من البطالة انتهت أخيراً، الفرصة أمامي للعمل في مهنة أحبها." التوقعات تشير إلى وصول نسبة التوطين لـ90% خلال العام القادم، مع ارتفاع متوقع في الرواتب بنسبة 25%. لكن التحدي الأكبر يكمن في ضعف مشاركة المرأة السعودية - امرأة واحدة من 98 موظف رقم يستدعي التأمل والعمل.
نجران اليوم تكتب فصلاً جديداً في قصة التنمية السعودية، حيث كل معرض سيارات يتحول إلى منصة إطلاق للأحلام السعودية. 7 وظائف تنتظر أصحابها، و45 معرضاً يشهد على نجاح التجربة، ونموذج يتأهب للانتشار في المناطق الحدودية الأخرى. السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستصبح معادلة "98 سعودي مقابل 33 وافد" هي المعيار الجديد في كل أنحاء المملكة؟