في مشهد مرعب هز الضمير المصري، سقط طفل عمره 12 سنة في قاع مسبح رسمي وبقي يصارع الموت لمدة 3 دقائق و34 ثانية كاملة دون أن يلاحظه أي من المسؤولين عن سلامته. يوسف محمد أحمد عبد الملك، الذي كان حلمه الوحيد أن يصبح بطل سباحة مصري، مات غرقاً أمام أعين أكثر من 20 شاهداً في مأساة تكشف إهمالاً إجرامياً قد يحدث لأي طفل آخر إن لم نتحرك فوراً.
تكشف التحقيقات الرسمية تفاصيل صادمة عن اللحظات الأخيرة في حياة الطفل، حيث وصل إلى نقطة نهاية السباق بنجاح قبل أن يتهاوى فجأة إلى قاع المسبح. والأكثر رعباً أن "الحكم العام وثلاثة من طاقم الإنقاذ" - المسؤولين المباشرين عن حماية الأطفال - فشلوا تماماً في أداء واجبهم الأساسي. أم سارة، والدة متسابقة أخرى، تروي بصوت مكسور: "رأيت الطفل يغرق وصرخت بأعلى صوتي، لكن لا أحد من المسؤولين استمع أو تحرك". الأكثر إدانة أن المكان لم يحتو على أي آلات مراقبة تساعد في الكشف المبكر عن الحوادث.
هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها المسابح المصرية حوادث مماثلة، ما يكشف نمطاً مزعجاً من الإهمال المؤسسي المتكرر. النيابة العامة، التي انتقلت فوراً لمحل الواقعة، اكتشفت غياباً تاماً لمعايير السلامة الأساسية، حيث اعتمد المنظمون على "طاقم طبي يتضمن طبيب رعاية مركزة وطبيبة اتحاد السباحة" دون توفير أنظمة مراقبة حديثة. د. أحمد السباحي، خبير سلامة المسابح، يؤكد بغضب: "هذا إهمال إجرامي كان يمكن تجنبه بأبسط إجراءات السلامة المعروفة عالمياً"، مشبهاً الحادثة بـ"كارثة تايتانيك - كان بإمكان تجنبها لو التزم الجميع بقواعد الأمان".
المأساة لم تؤثر فقط على أسرة يوسف المكلومة، بل زرعت بذور الخوف في قلوب آلاف الأسر المصرية التي ترسل أطفالها للأنشطة الرياضية يومياً. والد الضحية، الذي يواجه أصعب لحظات حياته، يتعهد بمواصلة المعركة حتى ينال العدالة لابنه الصغير. التحقيقات تشير إلى احتمالية إصلاح شامل لأنظمة السلامة الرياضية وسط مطالبات شعبية بمحاسبة صارمة للمقصرين. لكن السؤال الأهم يبقى: هل ستكون هناك تغييرات حقيقية، أم سنشهد مجرد إصلاحات شكلية تتبخر مع الوقت مثلما حدث في كوارث سابقة؟
بينما تواصل النيابة تحقيقاتها مع الحكم العام وثلاثة من طاقم الإنقاذ المحبوسين احتياطياً، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً يطارد كل أب وأم في مصر: إذا كان طفل يحتاج 3 دقائق و34 ثانية ليموت غرقاً دون أن يلاحظه أحد في مسبح رسمي، فكم طفلاً آخر معرض لنفس المصير؟ الوقت ينفد، والإجابة قد تحدد مصير مئات الأطفال الآخرين الذين يثقون في نظام لم يعد جديراً بهذه الثقة.