في مشهد كارثي يهز الضمير الإنساني، تغرق مدينة عدن في ظلام دامس يمتد لـ 13 ساعة متواصلة يومياً، بينما يعيش 1.2 مليون شخص في معاناة لا توصف. المدينة التي كانت يوماً عاصمة اقتصادية نابضة تتحول الآن إلى "مدينة أشباح" بعد غروب الشمس، في أزمة كهرباء تهدد بانهيار تام قد يحدث خلال ساعات قليلة.
الأرقام تصرخ بالمأساة: محطة وحيدة تنتج 84 ميجاوات فقط من أصل 400 ميجاوات مطلوبة لتشغيل المدينة، بعجز مدمر يصل إلى 80% من احتياجات السكان. جميع محطات الديزل والمازوت خارج الخدمة بسبب نفاد الوقود، في وقت تشهد فيه المدينة ذروة الاستهلاك. "الوضع كارثي ولا نملك حلولاً سريعة"، هكذا صرح مصدر مسؤول في مؤسسة الكهرباء وهو يكافح دموع اليأس. أم سالم، الأم الأربعينية التي تبحث يائسة عن ثلج لحفظ دواء ابنها المريض بالسكري، تمثل وجه المأساة الحقيقية: "ابني قد يموت بسبب انقطاع الكهرباء عن الثلاجة".
هذه ليست أزمة عابرة، بل تراكم سنوات من الإهمال المقيت وتأثيرات حرب دمرت كل شيء جميل في اليمن. منذ عام 2014، تعيش البلاد في دوامة من الصراعات التي حولت البنية التحتية إلى أنقاض، وقطاع الطاقة كان من أولى الضحايا. الخبراء يقارنون الوضع بأسوأ من أزمة الكهرباء في بيروت أثناء الحرب الأهلية، بينما يحذر د. محمد الهادي، خبير الطاقة: "نقف على حافة انهيار تام للشبكة خلال أسابيع، والعد التنازلي بدأ بالفعل".
الحياة اليومية تغيرت بشكل جذري ومؤلم. فاطمة، الطالبة الجامعية البالغة 22 عاماً، تدرس لامتحاناتها النهائية على ضوء الشموع المرتجف، بينما يقضي الأطفال ليالي الرعب في حر خانق وظلام مطبق. المحلات التجارية تغلق أبوابها مبكراً، والمستشفيات تعمل بالحد الأدنى، والمصانع الصغيرة توقفت نهائياً. لكن وسط هذه المأساة، برزت قصص أمل مذهلة: علي التاجر الثلاثيني استثمر مدخرات عمره في مولد كهربائي وبدأ يبيع الكهرباء للجيران بأسعار رمزية، "لا يمكنني أن أرى الأطفال يعانون"، يقول وهو يمسح العرق المتصبب من جبينه.
أزمة كهرباء عدن ليست مجرد انقطاع في التيار، بل صرخة استغاثة من مدينة تحتضر في صمت. مليون ومئتا ألف إنسان يعيشون في ظلام يمتد لـ 13 ساعة يومياً، في مشهد يذكرنا بعصر ما قبل الكهرباء لكن بحاجات عصرية مُلحة. الوقت يداهمنا والحلول مطلوبة فوراً، قبل أن تغرق إحدى أهم المدن العربية في ظلام أبدي. السؤال المؤرق يبقى معلقاً في الهواء الخانق: كم من الوقت يمكن لمدينة بحجم عدن أن تصمد في الظلام؟