في كارثة اقتصادية لم يشهد التاريخ المعاصر مثيلاً لها، يواجه الشعب اليمني مأساة حقيقية: الدولار الواحد يساوي 535 ريالاً في صنعاء و1632 ريالاً في عدن - فجوة مرعبة تزيد عن 200% تكشف عن انقسام اقتصادي مدمر يحطم آمال الملايين. بلد واحد، عملة واحدة، لكن ثلاث قيم مختلفة - هذا هو الواقع المؤلم الذي يعيشه اليمنيون اليوم، حيث كل يوم تأخير في العلاج يعني المزيد من الانهيار لاقتصاد شعب كامل.
محمد الحضرمي، معلم من صنعاء براتب 80 ألف ريال شهرياً، يروي صدمته: "راتبي يساوي 149 دولاراً هنا في صنعاء، لكن لو سافرت لعدن سيصبح 49 دولاراً فقط!" هذا التفاوت الجنوني البالغ 1097 ريالاً للدولار الواحد يفوق الفرق بين سعر الذهب والحديد الخردة. فاطمة العدنية، أم لثلاثة أطفال، تبكي وهي تحاول توفير الطعام: "أصبحت أدفع ثلاثة أضعاف المبلغ لنفس الأشياء التي اشتريتها العام الماضي." وسط أصوات الجدال الحاد في أسواق الصرافة وطوابير اليأس أمام البنوك، تنهار أحلام شعب كامل.
جذور هذه الكارثة تمتد لعقد من الحرب المدمرة التي شطرت البلاد لكيانين منفصلين، كل منهما بسلطة نقدية مختلفة. تعدد السلطات النقدية ونقص العملة الصعبة وتدمير البنية التحتية حوّل اليمن لحالة مشابهة لألمانيا ما بعد الحرب العالمية الأولى عندما انهار المارك الألماني. د. عبدالله الإرياني، الخبير الاقتصادي، يحذر بقوة: "الوضع كارثي ولا يمكن أن يستمر، نحن أمام انهيار اقتصادي شامل إذا لم يتم التدخل فوراً." المؤشرات تصرخ بالخطر: العملة تنهار بسرعة البرق وقوة الزلزال الاقتصادي.
في الحياة اليومية، تحول البسيط إلى مستحيل. نفس كيس الأرز الذي يكلف 5000 ريال في صنعاء يصبح 15000 ريال في عدن - معادلة مجنونة تقسم الشعب الواحد لطبقات اقتصادية حسب الجغرافيا. سالم المحويتي، الصراف المتمرس، يكافح لتوفير السيولة: "المواطنون في حالة هلع، والتجارة بين المدن توقفت تماماً." النتيجة المخيفة: نزوح اقتصادي من الجنوب للشمال، وانهيار كامل للثقة في العملة المحلية، مع ازدياد الاعتماد على المقايضة والعملات الأجنبية في المعاملات اليومية.
اليمن اليوم على مفترق طرق حاسم: إما إصلاح عاجل وتوحيد النظام النقدي، أو انهيار اقتصادي لا يمكن إصلاحه يحول البلاد لاقتصاد المقايضة والعملات الأجنبية. الحل يتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً لإنقاذ ما تبقى من اقتصاد مدمر، وإلا فإن الكارثة الإنسانية ستتفاقم أكثر. السؤال المصيري: هل سيصمد الشعب اليمني أمام هذا الانهيار الاقتصادي المدمر، أم أننا أمام مأساة إنسانية لا يمكن تداركها؟